قراءات القرآن (1)

1- نشأة القراءات ومراحل تطوّرها:

لقراءات القرآنية هي: علم بكيفيّة أداء كلمات القرآن واختلافها بعَزْو النّاقلة ، وقد مرّت هذه القراءات بمراحل مختلفة يمكن إيجازها بالتالية:
أ- المرحلة الأولى: القراءة مباشرة من فم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: وهي المرحلة التأسيسية في القراءة، حيث كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهتمّون بتعلّم القرآن الكريم وحفظه وتلاوته وسماعه مباشرة من فم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن دون واسطة. ومن هؤلاء: الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام, وعبد الله بن مسعود، وأُبَي بن كعب، وزيد بن ثابت، وغيرهم .

ب- المرحلة الثانية: قراءة الصحابة: وتمتاز هذه المرحلة ببداية قراءة الصحابة على الناس وظهور مصاحف خاصّة بهم، بحيث اشتهرت قراءاتهم ومصاحفهم بين المسلمين في المناطق التي كانوا يتواجدون فيها، واصطبغت بأسمائهم في ما بين الناس، مثل: مصحف أُبَي بن كعب، ومصحف عبد الله بن مسعود، ومصحف المقداد بن الأسود ...

ج- المرحلة الثالثة: قراءة الأمصار: بعد أن قام عثمان بن عفان بتوحيد المصاحف، أمر بنسخ عدّة مصاحف من النسخة الأمّ الموجودة في المدينة عاصمة الخلافة، وعيّن زيد بن ثابت قارئاً للمدينة، وأرسل النسخ الأخرى إلى الأمصار المختلفة، فبعث نسخة مع عبد الله السائب المخزومي (ت: تقريباً عام 70هـ) إلى مكة، ونسخة مع أبي عبد الرحمن السلمي (ت: 47هـ) إلى الكوفة، ونسخة مع عامر بن عبد القيس (ت: 55هـ) إلى البصرة، ونسخة مع المغيرة بن شهاب المخزومي (ت: 91هـ) إلى الشام, وكان هؤلاء القرّاء يقومون بتعليم الناس كيفية تلاوة القرآن .

د- المرحلة الرابعة: قراءة التابعين: وهم خصوص القرّاء الذين لم يأخذوا القرآن مباشرة من فم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, بينما أخذوه من الصحابة، وأبرزهم: سعيد بن المسيب (ت: 92هـ)، وعبيد بن عميرات (ت: 74هـ)، ومجاهد بن جبر(ت: 103هـ)، وعلقمة بن قيس(ت:62هـ)، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي (ت: 72هـ)، وزر بن حبيش (ت: 82هـ)، وسعيد بن جبير(ت: 95هـ)، وعامر بن عبد القيس (ت: 55هـ)، ويحيى بن يعمر العدواني (ت: 90هـ)، ونصر بن عاصم (ت: قبل 100هـ)، والمغيرة بن أبي شهاب المخزومي (ت: بعد 70هـ)، وغيرهم .

هـ- المرحلة الخامسة: تأسيس علم القراءات: بدأت هذه المرحلة أوائل القرن الثاني للهجرة, فكانت مرحلة ازدهار علم القراءات وذروته، حيث ظهرت المدارس والمذاهب المختلفة في القراءات، ومن قرّاء هذه المرحلة: القرّاء السبع:
 ابن كثير (ت: 120هـ)، وعاصم بن أبي النجود (ت128هـ)، ونافع المدني (ت: 159هـ)، ... .

و- المرحلة السادسة: تدوين القراءات: بدأت هذه المرحلة أوائل القرن الثالث الهجري، حيث نشطت فيها حركة تدوين القراءات, بفعل ظهور الاختلافات الكثيرة بين القرّاء, ما استدّعى القيام بوضع ضوابط وقواعد لهذا العلم، فكان أوّل من كتب في قراءات القرآن: أبو عبيد القاسم بن سلام (ت: 224هـ)، ثمّ أبو حاتم السجستاني (ت: 255هـ)، ثمّ أبو جعفر الطبري (ت: 310هـ)، ثمّ إسماعيل القاضي (ت: 282هـ) .

ز- المرحلة السابعة: حصر القراءات رسمياً: بدأت هذه المرحلة أواخر القرن الثالث الهجري، حيث بدأت عملية حصر القراءات رسمياً على يد ابن مجاهد أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس (245 - 324هـ), الذي كان أوّل من أضفى صبغة رسمية على ما يسمّى بالقراءات السبع .

 

2- أسباب اختلاف القراءات:

يوجد أسباب عدّة ساهمت بوقوع الاختلاف في القراءات، أبرزها:
أ- اختلاف المصاحف العثمانية المُرسَلَة إلى الأمصار في ما بينها .
ب- خلو المصاحف العثمانية من الإعجام والشكل .

ج- اختلاف اللهجات: كان قرّاء القرآن يقرؤنه بلهجاتهم الخاصّة, ما استدعى وقوع الاختلاف في القراءات وانتشاره بين الناس تدريجياً. مثال: إنّ اختلاف اللهجة يؤدّي أحياناً إلى حصول تقديم وتأخير في تلفظ حروف الكلمة الواحدة, فبني تميم وبعض ربيعة كانوا يقولون بدلاً من صاعقة وصواعق، صاقعة وصواقع . 

وكانت قبيلة هذيل تُبدل الواو المكسورة بهمزة، فكانوا يلفظون كلمة وعاء: إعاء، وعلى ذلك كانت قراءة سعيد بن جبير لقوله تعالى: ﴿قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ﴾  بالهمزة (إعاء) . هذا بالإضافة إلى الاختلافات التي كانت تحصل نتيجة للإظهار، والإدغام، والإشمام، والمدّ، والقصر، والإمالة، وما شابه ذلك.

د- ظهور آراء واجتهادات من قِبَل القرّاء: ابتعدت قراءة القرآن - أحياناً - بعد توحيد المصاحف عن السماع والنقل المطلوبين في الحكم بصحّة القراءة، وبفعل خلو المصاحف المُرسَلة إلى الأمصار من الإعجام والشكل, فلربّما كان بعض القرّاء يختار ما يراه مناسباً في المواضع الملتبسة عليه في القراءة, بما يؤدّي إلى إعمال الحدس والظنّ .

 

1- أنواع اختلاف القراءات:
إنّ أنواع اختلاف القراءات ربَّما تفوق الحصْر ، أبرزها التالي:
أ- الاختلاف في إعراب الكلمة أو في حركات بقائها, بما لا يزيلها عن صورتها في الكتاب، ولا يغيّر معناها, من قبيل: ﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾، و(وهل يُجازَى إلا الكفور).
 
ب- الثاني الاختلاف في إعراب الكلمة, بما يغيّر معناها، ولا يزيلها عن صورتها في الخط, من قبيل: ﴿رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾ و(ربنا باعَدَ بين أسفارنا).

ج- الاختلاف في تبديل حروف الكلمة من دون إعرابها, بما يغيّر معناها، ولا يغيّر صورة الخطّ بها, من قبيل: ﴿نُنشِزُهَا﴾ و(ننشرها).

د- الاختلاف في الكلمة, بما يغيّر صورتها في الكتابة، ولا يغيّر معناها, من قبيل:
﴿إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ و(إلا زقية واحدة).

هـ- الاختلاف في الكلمة, بما يزيل صورتها في الخطّ ويزيل معناها, من قبيل:
﴿وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ﴾ و(طلع منضود).

و- الاختلاف بالتقديم والتأخير, من قبيل: ﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ﴾ و(وجاءت سكرة الحق بالموت).

ز- الاختلاف بالزيادة والنقص في الحروف والكلم, من قبيل: ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾، و(وما عملت).

 

2- حصر القراءات:
أ- واقع حصر ابن مجاهد: هو أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس (245-324هـ)، مقرىء بغداد، وأوّل من أضفى صبغة رسمية على القراءات السبع، حيث اختار أربعة قرّاء من المدينة ومكّة والبصرة والشام، وثلاثة من الكوفة، وجميعهم 
من قرّاء القرن الثاني، آخرهم الكسائي (ت: 189هـ). وكان ما شاع من قراءاتهم برواية تلاميذهم (مباشرة أو بالواسطة). 

وقد أورد ابن مجاهد راويين فقط من بين تلاميذ مَنْ اختارهم من القرّاء ورواتهم، وذكر في كتابه روايتهما عن أستاذهما. وأدّى هذا العمل إلى أن تُنسى رواية التلاميذ الآخرين تدريجياً. والذين جاءوا بعد ابن مجاهد أضافوا إلى القراء السبعة ثلاثة قُرّاء، فصار عددهم عشرة، وقد ساروا على طريقة ابن مجاهد, بالاكتفاء براويين لكلّ قارىء. ولحقَ هؤلاء أربعة، قرأوا بالشواذّ، وقد اعتُبِرَت قراءاتهم، وقَبِلَها أهل العامّة.

والقرّاء السبعة، هم:

1- عبد الله بن عامر اليحصبي (ت118هـ), قارئ الشام،

2- عبد الله بن كثير الداري (ت120هـ), قارئ مكّة،

3- عاصم بن أبي النجود الأسدي (ت128هـ), قارئ الكوفة،

4- أبو عمرو زبان بن العلاء المازني (ت154هـ), قارئ البصرة،

5- حمزة بن حبيب الزيّات (ت156هـ), قارئ الكوفة - أيضاً -،

6- نافع بن عبد الرحمان الليثي (ت169هـ), قارئ المدينة،

7- علي بن حمزة الكسائي (ت189هـ), قارئ الكوفة - أيضاً -.

والقرّاء المتمّمون للعشرة، هم:

8- خلف بن هشام (229هـ) - راوي حمزة الزيّات -, قارئ بغداد،

9- يعقوب بن إسحاق الحضرمي (ت205هـ), قارئ البصرة،

10- أبو جعفر يزيد بن القعقاع المخزومي (ت130هـ), قارئ المدينة.

والقرّاء المتمّمون للأربعة عشر: وهم الذين قرأوا بالشواذ:

11- ابن يسار (الحسن البصري) (ت110هـ), قارئ البصرة/

12و13- محمّد بن عبد الرحمان (ابن محيصن) (ت123هـ), قارئ مكَّة مع ابن كثير،

14- سليمان بن مهران الأسدي(الأعمش) (ت148هـ), قارئ الكوفة .

ب- تقويم حصر ابن مجاهد:
- تقويم القرّاء السبعة:
- القراء السبعة ليسوا من العرب، إلا ابن عامر وأبو عمرو .
 - جميع القرّاء السبعة عاشوا في القرن الثاني .

- كان الناس على رأس المائتين بالبصرة على قراءة أبي عمرو ويعقوب، وبالكوفة على قراءة حمزة وعاصم، وبالشام على قراءة ابن عامر، وبمكة على قراءة ابن كثير، وبالمدينة على قراءة نافع، واستمرّوا على ذلك، فلمّا كان على رأس الثلاثمائة أثبت ابن مجاهد اسم الكسائي وحذف يعقوب .

- كان للكوفة نصيبها الأوفر من غيرها من الأمصار في القراءات السبع، حيث كان لها ثلاثة قرّاء: عاصم وحمزة والكسائي, وهم من الموالين لأهل البيت عليهم السلام .

- تقويم القراءات السبع :
- استقراء حال الرواة يورث القطع بأنّ القراءات نُقِلَت إلينا بأخبار الآحاد، فكيف تصحّ دعوى القطع بتواترها عن القراء؟! على أنّ بعض هؤلاء الرواة لم تثبت وثاقته!

- التأمّل في الطرق التي أخذ عنها القرّاء، يُقطَع معه بأنّ هذه القراءات إنّما نُقِلَت إليهم بطريق الآحاد.

- اتّصال أسانيد القراءات بالقرّاء أنفسهم يقطع تواتر الأسانيد, حتى لو كان رواتها في جميع الطبقات ممّن يمتنع تواطؤهم على الكذب، فإنّ كلّ قارئ إنّما ينقل قراءته بنفسه.

- احتجاج كلّ قارئ من هؤلاء على صحّة قراءته، واحتجاج تابعيه على ذلك أيضاً، وإعراضه عن قراءة غيره, دليل قطعي على أنّ القراءات تستند إلى اجتهاد القرّاء وآرائهم, لأنّها لو كانت متواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحتج في إثبات صحّتها إلى الاستدلال والاحتجاج.

- إنّ في إنكار جملة من الأعلام المحقّقين على جملة من القراءات دلالة واضحة على عدم تواترها, إذ لو كانت متواترة لما صحّ هذا الإنكار.

 

3- مقياس قبول القراءات:
أ- مقياس المشهور من علماء القراءات:
وهو يقوم على تحقيق أربعة أركان ، هي:
- صحة الإسناد.

- موافقة اللغة العربية، ولو بوجه, بأن تكون موافقة لأي وجه من وجوه النحو, سواء أكان فصيحاً أم أفصح، مجمعاً عليه أم مختلفاً فيه اختلافاً لا يضرّ مثله إذا كانت القراءة ممّا شاع وتلقّاه الأئمّة بالإسناد الصحيح.

- موافقة أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً, بأن يكون ثابتاً فيها، ولو في بعضها دون بعضها الآخر.

- موافقتها للرسم العثماني ولو تقديراً, بحيث يكفي في الرواية أن توافق رسم المصحف, ولو موافقة غير صريحة.

ويلاحظ على هذا المقياس ما يلي :
- أنّه يتّسم بالشمولية والسعة بالمقارنة مع ما ذكره مَنْ قَبله.

- يشمل كلّ القراءات الشاذّة والضعيفة, وذلك لأنّ خصائص رسم المصحف العثماني والأقوال المتعدّدة في الأدب العربي، يمكن أن تجعل الكثير من القراءات الضعيفة مطابقة لرسم المصحف ولقاعدة من قواعد النحو العربي، بشكل أو
 
بآخر. وفي هذه الحالة يفقد هذا المقياس أثره، ويصبح عملياً غير صالح لتمييز القراءات الصحيحة من الخاطئة.

ب- المقياس الصحيح: وهو ما ذكره آية الله الشيخ محمد هادي معرفة قدس سره في كتابه التمهيد في علوم القرآن ، ويقوم على تحقيق الأركان التالية:
- موافقة القراءة مع الثبت المعروف بين عامّة المسلمين في مادّة الكلمة، وصورتها، وموضعها من النظم القائم, حسب تعاهد المسلمين، خلفاً عن سلف.
- موافقة القراءة مع الأفصح والأفشى في العربية.
- أن لا يعارضها دليل قطعي، سواء أكان برهاناً عقلياً، أم سنّة متواترة، أم رواية صحيحة الإسناد مقبولة عند الأئمّة .

والصحيح هو: أنّ أهمّ مقياس لقبول القراءة يكمن في انسجامها مع قراءات عامّة الناس التي توارثوها من جيل إلى جيل، وتكتسب الشروط الثلاثة المذكورة أصالتها, لأنّها تصبّ في اتّجاه تحقيق هذا المقياس.

 

4- الفرق بين القراءات والقرآن:
أجمع المسلمون بجميع نحلهم ومذاهبهم على أنّ ثبوت القرآن ينحصر طريقه بالتواتر، واستدلّ كثير من العلماء على تواتره, بتوافر الدواعي لنقله, لأنّه أساس الدين الإسلامي ومعجزة رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم, وكلّ شيء تتوافر الدواعي لنقله, لا بدّ وأن يكون متواتراً. وعليه، فما كان نقله بطريق الآحاد لا يكون من القرآن قطعاً . وقد وقع الاشتباه بوجود تلازم بين تواتر القرآن وتواتر القراءات ، ويمكن إرجاع هذا الاشتباه إلى عاملين أساسيين، هما:
 
- العامل الأوّل: الخلط بين القرآن والقراءات، فرغم وضوح عدم تواتر القراءات، إلا أنّ البعض توهّم تواترها تبعاً لتواتر القرآن.

والواقع: أنّ القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان, فنصّ القرآن شيء، وكيفية قراءته شيء آخر تماماً، فالقرآن: هو الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم للبيان والإعجاز، والقراءات: هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتبة الحروف أو كيفيتها, من تخفيف وتثقيل وغيرهما .

- العامل الثاني: الخلط بين القراءات والأحرف السبعة، حيث ظنّ البعض أنّ قراءات القرّاء السبعة هي الأحرف السبعة نفسها التي أشارت إليها بعض الروايات من أنّ القرآن نزل على سبعة أحرف .

والواقع: أنّ القرآن نزل على حرف واحد ولا أساس لهذه الروايات التي هي بمجموعها ضعيفة السند أو مرسلة.
عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد، ولكنّ الاختلاف يجيء من قبل الرواة" . 

وعن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: "إنّ الناس يقولون: إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف، فقال: كذبوا أعداء الله، ولكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد" .

أضف إلى ذلك أنّه لا توجد أيّ علاقة بين القراءات والأحرف السبعة, إذ أنّ شهرة القرّاء السبعة وقراءاتهم إنّما ظهرت 
من بعد ما قام به ابن مجاهد من حصر للقراءات بالسبع، بينما كان هناك مَنْ هم أفضل منهم، وتوجد أيضاً في قراءة 
القراء السبعة قراءات شاذّة صرّح بها الأئمّة المختصّون في هذا المجال .
 
 


الأفكار الرئيسة


1- مرّت قراءة القرآن بمراحل مختلفة هي: القراءة من فم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, قراءة الصحابة، قراءة الأمصار، قراءة التابعين، تأسيس علم القراءات، تدوين القراءات، حصر القراءات رسمياً.

2- ساهمت أسباب عدّة بوقوع الاختلاف في القراءات، أبرزها: اختلاف المصاحف العثمانية في ما بينها، خلو المصاحف من الإعجام والشكل، اختلاف اللهجات، ظهور آراء واجتهادات من قِبَل القرّاء.

3- من أنواع اختلاف القراءات: الاختلاف في إعراب الكلمة, الاختلاف في تبديل حروف الكلمة...

4- كان ابن مجاهد أوّل من أضفى صبغة رسمية على القراءات السبع، والذين جاءوا من بعده أضافوا إلى القرّاء السبعة ثلاثة قُرّاء، ولحقَ هؤلاء أربعة، قرأوا بالشواذّ. وجميع هذه القراءات منقولة على أحسن تقدير بآخبار آحاد, فهي ليست متواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم, فضلاً عن عدم تواترها عن أصحابها.

5- المقياس الصحيح في قبول القراءة يقوم على: موافقة القراءة مع النصّ المتواتر بين عامّة المسلمين، وموافقة القراءة مع الأفصح والأفشى في العربية، وأن لا يعارض القراءة دليل قطعي.

6- القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان, فالقرآن: هو الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم للبيان والإعجاز، والقراءات: هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتبة الحروف أو كيفيتها.
 


مطالعة


قراءة حفص عن عاصم 
هو أبو بكر, عاصم بن أبي النجود الأسدي (90-127هـ)، أشهر القرّاء السبعة. كان آية في إتقان القراءة، ومعروفاً بالفصاحة، وأديباً ونحوياً، وإليه انتهت الإمامة في القراءة في الكوفة بعد شيخه السلمي. اعتبره عبد الجليل الرازي إمام الشيعة في القراءة على غرار سائر القراء الكوفيين. وقال فيه الخونساري في روضات الجنّات: أصوب القراء رأياً، وأجملهم سعياً ورعياً، وأحسنهم استنباطاً لسياق القرآن.

وكان للكوفة وقرّائها السهم الأوفر في نقل القراءة إلى الأجيال اللاحقة، وكان اختيار ابن مجاهد لثلاثة قرّاء من الكوفة، من مجموع القرّاء السبعة يكشف بكلّ جلاء عن أهمّيّة الكوفة، وكونها مدينة ذات مكانة عسكرية وسياسية وعلمية، ومن بين ذلك: أنّ قراءة عاصم فاقت قراءة القرّاء الكوفيين الآخرين، وكانت لقراءة عاصم مزايا جعلتها اليوم هي القراءة الرسمية والمتداولة للقرآن بين المسلمين. ويمكن اعتبار الميزة الأساسيّة لقراءته هي: الصلة الوثيقة بينها وبين قراءة أكبر أساتذة القراءة وأفضلهم, حيث عرض عاصم القراءة على أبي عبد الرحمن السلمي، والميزة العلمية لأبي عبد الرحمن السلمي, كونه واسطة في نقل القراءة من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إلى قرّاء الكوفة - ومنهم عاصم بن أبي النجود -، ولم يتعلّم القراءة إلا من علي بن أبي طالب عليه السلام, حتى قيل: إنّه لم يتخلّف في قراءته حرفاً واحداً عن قراءة الإمام علي عليه السلام, وجاء في الرواية أنّه كان يقول: إنّه ما رأى قرشياً أقرأ لكتاب الله من علي بن أبي طالب عليه السلام, وكان لأبي عبد الرحمن تأثير واسع في كلّ قراءات الكوفة، ومنها: القراءات الثلاث التي دخلت ضمن القراءات السبع, لأنّ قراءة عاصم كانت عنه مباشرة, وقراءة حمزة والكسائي كانتا عنه بالواسطة. وهذه السلسلة في سند القراءة سلسلة ذهبية لا نظير لها في القراءات الأخرى.

وذكر البعض إضافة إلى أبي عبد الرحمن، زرّ بن حبيش من مشايخ عاصم في القراءة أيضاً. وقال أبو بكر بن عياش, وهو أحد الشخصين اللذين رويا عن عاصم: قال لي عاصم: ما أقرأني أحد حرفاً إلا أبو عبد الرحمن السلمي، وكنت أرجع من عنده فأعرض على زر بن حبيش. وتفيد هذه الرواية أنّ عاصماً كان يعتمد على أبي عبد الرحمن أكثر من اعتماده على زر بن حبيش.

وكان لعاصم راويان بلا واسطة، هما: شُعبَة (أبو بكر بن عياش)، وحفص بن سليمان. ورغم ما قيل في حفص بن سليمان من أقوال متضاربة، غير أنّ الباحثين في علوم القرآن يرجّحون روايته على رواية شعبة, وذلك لأنّه ربيب عاصم، وتربّى في حجره، وقرأ عليه، وتعلّم منه, كما يتعلّم الصبي من معلّمه, فلا جرم أنّه كان أدقّ إتقاناً من شُعبَة.
 


المصادر والمراجع


1- القرآن الكريم.
2- ابن الجزري: منجد المقرئين ومرشد الطالبين، ص30.
3- السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ج1، ص139، 197-198، 203-207، 215-217.
4- الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، ج1، ص330، 338-348، 368-375.
5- الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج1، ص318، 327-331، 334-336.
6- الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، ج1، ص93.
7- الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج5، ص431.
8- ابن السكّيت: الكنز اللغوي، ص57.
9- الخوئي، البيان في تفسير القرآن، ص13-132، 136-138، 141-142، 151-152.
10- معرفة، التمهيد في علوم القرآن، ج2، ص119-155.
11- ابن حنبل، مسند أحمد، ج1، ص264, ج5، ص127, ص41.
12- البخاري، صحيح البخاري، ج4، ص80.
13- النيسابوري، صحيح مسلم، ج2، ص203, ص20
14- المتّقي الهندي، كنزل العمّال في سنن الأقوال والأفعال، ج2، ص49-57.
15- الكليني، الكافي، ج2، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، ح12-13، ص630.
 

2020-11-23 | 1263 قراءة