1- معنى النزول:
"النون والزاء واللام كلمة صحيحة تدلّ على هبوط شيء ووقوعه... والتنزيل ترتيب الشيء ووضعه منزله" . و"الفَرْقُ بَيْنَ الإِنْزَالِ والتَّنْزِيلِ في وَصْفِ القُرآنِ والملائكةِ: أنّ التَّنْزِيل يختصّ بالموضع الذي يُشِيرُ إليه إنزالُه مفرَّقاً، ومرَّةً بعد أُخْرَى، والإنزالُ عَامٌّ، فممَّا ذُكِرَ فيه التَّنزيلُ قولُه: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ...﴾ ...(وممّا ذُكِرَ فيه الإنزال وأًريد به الدفعة): ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ " .
2- الأقوال في نزول القرآن:
ذُكِرَ في نزول القرآن عدّة أقوال ، أبرزها:
أ- القول الأوّل: وهو قول المشهور من العلماء والمفسّرين، ومفاده: أنّ القرآن نزل إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثمّ نزل بعد ذلك منجّماً مدّة إقامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد البعثة، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنّه قَالَ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَكَانَ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَكَانَ اللهُ يُنَزِّلُهُ عَلَى رَسُولِ صلى الله عليه وآله وسلم بَعْضُهُ فِي إِثْرِ بَعْضٍ" .
وقد تعرّضت مجموعة من الروايات لنزول القرآن إلى السماء الدنيا، فأشار بعضها لنزول القرآن إلى السماء الرابعة، وبعضها الآخر لنزوله إلى البيت المعمور أو إلى بيت العزّة وهو في السماء الرابعة. ولكنّها لم توضّح حقيقة المراد من السماء الدنيا أو السماء الرابعة أو البيت المعمور أو بيت العزّة .
ب- القول الثاني: نزل إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ما قدَّر الله إنزاله في هذه السنة، ثمّ نزل بعد ذلك منجّماً طيلة السنة. وهكذا كلّ سنة حتى رحيله صلى الله عليه وآله وسلم.
ج- القول الثالث: ابتدأ إنزاله في ليلة القدر، ثمّ نزل بعد ذلك منجّماً في أوقات مختلفة حتى رحيله صلى الله عليه وآله وسلم.
د- القول الرابع: أنّه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة، وأنّ الحفظة نجّمته على جبريل في عشرين ليلة، وأنّ جبريل نجّمه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عشرين سنة، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "نَزَلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنْ عِنْدِ الِلهِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَنَجَّمَتْهُ السَّفَرَةُ عَلَى جِبْرِيلَ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَنَجَّمَهُ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم عِشْرِينَ سَنَةً" .
هـ- القول الخامس: التفريق بين الإنزال والتنزيل: وهو ما ذهب إليه العلامة الطباطبائي قدس سره، حيث أفاد: "أنّ الإنزال دفعي والتنزيل تدريجي... فقوله تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً﴾ ، ظاهر في نزوله تدريجاً في مجموع مدّة الدعوة, وهي ثلاث وعشرون سنة تقريباً، والمتواتر من التاريخ يدلّ على ذلك، ولذلك ربما استشكل عليه بالتنافي (مع آيات أخرى يستفاد من مجموعها نزول القرآن في ليلة القدر). والذي يعطيه التدبّر في آيات الكتاب...: أنّ الآيات الناطقة بنزول القرآن في شهر رمضان أو في ليلة منه إنّما عبّرت عن ذلك بلفظ الإنزال الدالّ على الدفعة دون التنزيل, كقوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ...﴾ ، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَة﴾ ، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ ... وبالجملة، فإنّ المتدبّر في الآيات القرآنية لا يجد مناصاً عن الاعتراف بدلالتها على كون هذا القرآن المنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدريجاً متكئاً على حقيقة متعالية عن أن تدركها أبصار عقول العامّة أو تتناولها أيدي الأفكار المتلوّثة بألواث الهوسات وقذارات المادّة، وأنّ تلك الحقيقة أنزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنزالاً، فعلّمه الله بذلك حقيقة ما عناه بكتابه .
3- فوائد النزول التدريجي:
إنّ نزول القرآن منجّماً طيلة مدّة البعثة النبوية الشريفة يحمل في طياته فوائد وآثاراً بالغة الأهمّيّة, ما كانت لتترتّب لو نزل دفعة واحدة فقط. ومن هذه الفوائد والآثار:
أ- ردّ القرآن على اعتراض الكفار على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ .
ب- في النزول التدريجي تثبيت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومواساة لقلبه الشريف، وكذلك للمؤمنين من باب أولى. قال تعالى: ﴿فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ .
ج- إنّ نزول المعارف الدينية بشكل تدريجي تتيح للناس أن ينظّموا شؤون حياتهم الفردية والاجتماعية وفقاً له، ويصلوا من خلال ذلك إلى مرحلة الكمال. وهذا من أفضل أساليب التعليم والتربية. قال تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً﴾ .
د- أتاح النزول التدريجي الفرصة للصحابة لكي يحفظوا آياته بسهولة. وهذا ما أدّى إلى المساهمة في تفويت الفرصة على أعداء الدين الذين أعدّوا العدّة لتحريف القرآن وإطفاء نور الهداية الإلهية.
4- تعريف أسباب النزول:
إنّ كثيراً من السور والآيات لها نوع ارتباط لجهة نزولها بالحوادث والوقائع التي حدثت خلال مدّة البعثة، أو بحاجات تتطلّب إيضاح أحكام الإسلام وقوانينه. وهذه الأمور التي أوجبت نزول السور والآيات تسمّى أسباب النزول. وتقسم آيات القرآن وسُوره من حيث أسباب نزولها، إلى قسمين:
أ- الأول: الآيات والسور التي لها سبب عامّ: وهي خصوص الآيات والسور التي نزلت من غير سبب خاصّ، وتحتوي على المعارف والأحكام الإلهية الحقّة المتعلّقة بهداية الناس في دنياهم وآخرتهم.
ب- الثاني: الآيات والسور التي لها سبب خاصّ: وهي خصوص الآيات والسور التي نزلت في حوادث وقضايا حصلت طيلة مدّة بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, أو سألها الناسُ الرسولَ صلى الله عليه وآله وسلم, من قبيل قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾ ، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ
الرُّوحِ﴾ ، ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ﴾ ، وسورة الكوثر.
ومن الواضح أنّ لمعرفة سبب النزول تأثير بارز في فهم المراد من الآية من خلال معرفة مصداقها وخصائصه. ومن هنا، فقد اهتمّ العلماء والمفسّرون بجمع روايات أسباب النزول، وإفرادها ضمن دراسات مستقلة. ويرى جلال الدين السيوطي أنّ أقدم كتاب أُلّف في هذا المجال هو كتاب علي بن المديني، أستاذ البخاري. وألّف هو نفسه (السيوطي) كتاباً اسماه "لُبَابُ النُّقُولِ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ" .
5- الفرق بين سبب النزول وشأن النزول:
يكمن الفرق بينهما في: أنّ أسباب النزول تعالج مشكلة حاضرة ـ سواء أكانت حادثة أُبهم أمرُها، أمْ مسألة خفِيَ وجه صوابها، أم واقعة ضلّ سبيل مَخرجِها ـ فنزلت الآية لتعالج شأنها وتضع حلاً لمشكلتها. وهذا أخصّ من شأن النزول, لأنّ الشأن أعمّ مورداً من السبب، وهو الأمر الذي نزل القرآن ليعالج شأنه بياناً وشرحاً، أو اعتباراً بمواضع اعتباره, كما في أكثرية قصص الماضين والإخبار عن أُمم سالِفين..., فنزل القرآن ليعالج هذه الجوانب. فالفارق بين السبب والشأن ـ اصطلاحاً ـ أنّ الأوّل يعني: مشكلة حاضرة لحادثة عارضة، والثاني: مشكلة أمرٍ واقع، سواء أكانت حاضرة أمْ غابرة .
6- فوائد معرفة أسباب النزول:
إنّ لمعرفة أسباب النزول فوائد جمّة لها بالغ الأثر في فهم القرآن الكريم وتفسيره ومعرفة مقاصده، ومن هذه الفوائد:
أ- معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم.
ب- معرفة الآيات المكية، والآيات المدنية.
ج- دفع توهّم الحصر، من خلال معرفة دائرة الحكم.
د- معرفة اسم النازل فيه الآية وتعيين المبهم فيها.
هـ- الوقوف على المعنى وإزالة الإشكال، فلا يمكن تفسير الآية من دون الوقوف على أسباب نزولها. فبيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن. ففي قوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ...﴾ ، لو تُرِكْنَا ومدلول اللفظ, لاقتضى الظهور أنّه لا يجب على المصلّي استقبال القبلة أثناء صلاته, سواء في السفر أم في الحضر, وهو خلاف الإجماع، فلمّا عُرِفَ سبب نزولها, عُلِمَ أنّها نازلة بخصوص نافلة السفر .
7- عموميّة اللفظ أم خصوصيّة السبب؟
اختلف علماء أصول الفقه في عموم روايات أسباب النزول أم اختصاصها بمَن نزلت فيهم؟ والمشهور بينهم - وهو الصحيح - أنّ النصّ القرآني يحمل معنى عامّاً وشاملاً، فإن كان للآية معنى عام، فهي لا تنحصر في إطار الأفراد المعنيين، بل تشمل الجميع، حتى وإن كان لها سبب خاصّ.
فلو انحصر مُفاد الآيات بأسباب نزولها، لأدّى ذلك إلى فقدان مجموعة كبيرة من آيات القرآن تطبيقاتها، ولغدا القرآن كتاباً خاصّاً بمجموعة قليلة من الماضين فقط.
ومن هنا، فإنّ حكم الآية التي نزلت في سبب أو حادثة معيّنة بحقّ فرد أو أفراد معيّنين، لا ينحصر في مناسبة نزولها فقط، بل ينطبق على جميع الموارد التي تشترك في خصوصيّاتها مع مورد نزول الآية. وهذه الخصوصية هي التي تسمّى في الروايات بـ "الجَرْي" و"الانطباق" .
سأل الفُضَيل بن يسار الإمام أبا جعفر الباقر عليه السلام عن الحديث المعروف: ما من آية إلاّ ولها ظهر وبطن، وما فيه حرف إلاّ وله حدّ يطلع (ومطلع)، ما يعني بقوله: لها ظهر وبطن؟ قال عليه السلام: "ظهر وبطن هو تأويلها, منه ما قد مضى، ومنه ما لم يجئ، يجري كما تجري الشمس والقمر، كلّما جاء فيه تأويل شيء منه, يكون على الأموات, كما يكون على الأحياء، كما قال الله تعالى: ﴿...يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ...﴾، ونحن نعلمه" .
وعنه عليه السلام - أيضا ً-: "ولو أنّ الآية نزلت في قوم، ثمّ مات أولئك القوم ماتت الآية ولَمَا بقي من القرآن شيء، ولكنّ القرآن يجري أوّله على آخِره ما دامت السماوات والأرض، ولكلّ قومٍ آية يتلونها، هُم منها من خير أو شرّ" .
وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض المفسّرين ومَن كتبوا في أسباب النزول، قالوا بتعدّد أسباب النزول مع وحدة النزول أحياناً، وبوحدة السبب مع تتعدّد الآيات النازلة فيه أحياناً أخرى .
8- مدى اعتبار أحاديث أسباب النزول؟
أ- المشكلة: إنّ روايات أسباب النزول بلغت حدّاً ناهزت فيه عدّة آلاف رواية، معظمها ضعيف السند أو مُرسَل، وفيه مشاكل لناحية أنّ بعض الرواة لم يعرِفوا ارتباط نزول الآيات بموارد الحوادث والوقائع, مشافهة وتحمّلاً وحِفظاً، بل يحكون القصّة، ثمّ يربطون بها الآيات المناسبة لها من ناحية المعنى. وفي النتيجة، يكون سبب النزول في الحديث المذكور سبباً نظرياً واجتهادياً، لا سبباً مستفاداً عن طريق المشاهدة والضبط. هذا فضلاً عن وجود تناقض واضح في بعض الروايات التي تنقل حوادث وأسباباً يناقض بعضها البعض الآخر، ولا طريق للجمع بينها، أو أنّ بعض الروايات تروي عن شخص واحد عدّة أسباب للنزول نازلة في آية واحدة.
ومن هنا، فإنّ ورود هذه الأسباب المتناقضة والمتهافتة للنزول يرجع: إمّا إلى كون هذه الأسباب المنقول أسباباً نظرية اجتهادية وليست نقلية محضة، وإمّا إلى أنّ جميع الروايات أو بعضها مدسوس ومجعول، ولا سيّما إذا أخذنا بعين الاعتبار إجراءات التشديد على عدم تدوين الحديث المأثور التي بدأت بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستمرّت حتى أواخر القرن الأوّل الهجري (حوالي تسعين سنة تقريباً), فأمام هذا الواقع كَثُرَ وضع الحديث والدسّ فيه ودخول الإسرائيليات على المرويّات. وأمام هذا الواقع، فإنّ كثيراً من الأحاديث تفقد حجيّتها، إلا ما سلم لجهة السند والدلالة.
ب- طريق الحلّ: انطلاقاً من أهمّيّة معرفة أسباب النزول في فهم الآية ومدلولها، كان لا بدّ من إيجاد حلّ عملي للمشاكل المتقدّم ذكرها، حيث إنّ بعض روايات أسباب النزول من دون أدنى شكّ فيه فائدة مهمّة. ومن هنا، ينبغي وضع ضابطة معياريّة في انتقاء روايات أسباب النزول، مفادها التالي: النظر في الحديث، فإذا كان متواتراً أو قطعياً، فيمكن الأخذ بمفادّه. وإلا فنعرضه على الآية موضع البحث، فإذا كان هناك انسجام بين الآية وما حولها من القرائن، وبين مفاد الحديث، عند ذلك يمكن الوثوق بمفاد الحديث الذي اعتُبِرَ سبباً لنزول الآية.
الأفكار الرئيسة
1- التنزيل: تدريجي، والإنزالُ: دفعي.
2- يوجد عدّة أقوال في مسألة نزول القرآن، أشهرها: أنّ القرآن نزل إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثمّ نزل بعد ذلك منجّماً مدّة إقامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد البعثة. وأصحّها: أنّه نزل دفعة واحدة على قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة القدر، ثمّ نزل منجّماً على قلبه صلى الله عليه وآله وسلم طيلة سنوات بعثته.
3- من فوائد النزول التدريجي: الردّ على اعتراض الكفار، تثبيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين...
4- سبب النزول: مشكلة حاضرة لحادثة عارضة، وشأن النزول: مشكلة أمرٍ واقع.
5- من فوائد معرفة أسباب النزول: معرفة وجه الحكمة في التشريع، معرفة المكي والمدني...
6- العبرة بعموم اللفظ لا بخصوصيّة السبب.
7- ضابطة الأخذ بروايات أسباب النزول: الأخذ بالروايات المتواترة أو القطعية، وبأخبار الآحاد المحفوفة بالقرائن القطعية والمتناسبة مع لسان الآية مورد النزول.
مطالعة
من روايات أسباب النزول
ما رواه محمد بن إسحاق بإسناده عن سعيد بن جبير، وعكرمة، عن ابن عباس: أنّ النضر بن الحرث بن كلدة، وعقبة بن أبي معيط، أنفذهما قريش إلى أحبار اليهود بالمدينة، وقالوا لهما: سلاهم عن محمد صلى الله عليه وآله وسلم, وصفا لهم صفته، وخبراهم بقوله، فإنّهم أهل الكتاب الأوّل، وعندهم من علم الأنبياء عليهم السلام ما ليس عندنا. فخرجا حتى قدما المدينة، فسألا أحبار اليهود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وقالا لهم ما قالت قريش، فقال لهما أحبار اليهود: إسألوه عن ثلاث، فإن أخبركم بهنّ, فهو نبيّ مرسَل، وإن لم يفعل, فهو رجل متقوِّل، فرأوا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأوّل, ما كان أمرهم؟ فإنّه قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طوّاف, قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها, ما كان نبؤه.
وسلوه عن الروح ما هو. - وفي رواية أخرى، فإن أخبركم عن الثنتين، ولم يخبركم بالروح, فهو نبي. فانصرفا إلى مكة، فقالا: يا معاشر قريش! قد جئناكم بفصل ما بينكم، وبين محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقصّا عليهم القصّة. فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم, فسألوه، فقال: أخبركم بما سألتم عنه غداً، ولم يستثنِ، فانصرفوا عنه، فمكث صلى الله عليه وآله وسلم, خمس عشرة ليلة، لا يحدث الله إليه في ذلك وحياً، ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام, حتى أرجف أهل مكّة، وتكلّموا في ذلك، فشقّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ما يتكلّم به أهل مكّة عليه، ثمّ جاءه جبرائيل عليه السلام, عن الله سبحانه، بسورة الكهف، وفيها ما سألوه عنه, عن أمر الفتية، والرجل الطوّاف،
وأنزل عليه: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ .
المصادر والمراجع
1- القرآن الكريم.
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج5، ص417.
3- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص799-800.
4- السيوطي، الإتقان، ج1، ص87-91، 119، 146-14
5- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص41-42, ج2، ص15-18.
6- النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج2، تفسير سورة إنّا أنزلناه، ح1، ص530, كتاب التفسير، ح7، ص222, ح9، ص223.
7- الكليني، الكافي، ج2، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، ح6، ص628-629.
8- الطباطبائي، القرآن في الإسلام، ص59-60، 133-136.
9- معرفة، التمهيد في علوم القرآن، ج1، ص267-268.
10- الصفّار، بصائر الدرجات، ج4، باب10، ح2، ص223.
11- العياشي، تفسير العياشي، ج1، باب في ما أُنزِلَ القرآن، ح7، ص10.
12- الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، ج1، ص97-103.