مفردات غريب القرآن الكريم 5

-المفردات:


- أَخْبَتُواْ

- فَارَ التَّنُّورُ

- غَيَابَةِ الْجُبِّ

- يَرْتَعْ

- الْمَثُلاَتُ



1- أَخبَتُوا:

 

- مَورِد المفردة في القرآن:

قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[1].

- المعنى اللغويّ:

"الخاء والباء والتاء أصل واحد يدلّ على خشوع"[2]. و"الخَبْتُ: المطمئنّ من الأرض، وأَخْبَتَ الرجل: قصد الخبت، أو نزله، نحو: أسهل وأنجد، ثمّ استعمل الإخبات استعمال اللّين والتواضع، قال اللَّه تعالى: ﴿وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ﴾ (هود/ 23)، وقال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ (الحجّ/ 34)، أي: المتواضعين، نحو: ﴿لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ﴾ (الأعراف/ 206)، وقوله تعالى: ﴿فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ﴾ (الحجّ/ 54)، أي: تلين وتخشع. والإخبات ها هنا قريب من الهبوط في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ﴾ (البقرة/ 74)"[3].

- المعنى التفسيريّ:

استعمل القرآن الكريم هذه المفردة بمعنى الاطمئنان في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾, حيث أخبر الله تعالى أنّ الذين صدقوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، واعتقدوا بوحدانيّته وعملوا الصالحات

التي أمرهم بها ورغَّبهم فيها، واطمأنّوا إلى ربّهم، بحيث لا يتزلزل ما في قلوبهم من الإيمان به، فلا يزيغون ولا يرتابون، كالأرض المطمئنّة التي تحفظ ما استقرّ فيها، فأولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون[4].


2- فار التنّور:

 

- مَورِد المفردة في القرآن:

قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾[5].

- المعنى اللغويّ:

"الفاء والواو والراء كلمة تدلّ على غليان،... وفار غضبه إذا جاش"[6]. و"الفَوْرُ: شِدَّةُ الغَلَيَانِ، ويقال ذلك في النار نفسها إذا هاجت، وفي القدر، وفي الغضب، نحو: ﴿وَهِيَ تَفُورُ﴾ (الملك/ 7)، ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ (هود/ 40)"[7].

- المعنى التفسيريّ:

استعمل القرآن الكريم هذه المفردة بمعنى ارتفاع الماء بشدّة، في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾. لقد أخبر سبحانه عن إهلاك قوم نوح، حتّى إذا تحقّق الأمر الربوبيّ وتعلّق بهم، كانت علامة تحقّقه فوران الماء من التنّور واشتداد اندفاعه علوّاً، لينذر باشتداد غضب الربّ. وفي معنى التنّور أقوال، أولها: أنّه تنّور الخابزة، وأنّه كان لآدم عليه السلام، فار الماء منه علامة لنوح عليه السلام، إذ نبع الماء من موضع غير معهود خروجه منه. ثمّ اختلف في موضع التنّور، فقيل: إنّ التنّور كان في دار نوح عليه السلام بمنطقة ‍

(عين وردة) من أرض الشام. وقيل: بل كان في ناحية الكوفة، وهو المرويّ عن أئمّتنا عليهم السلام. وثانيها: وجه الأرض، ويؤيّده قوله تعالى: ﴿وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا﴾. وثالثها: طلوع الفجر. ورابعها: أعلى الأرض وأشرفها، والمعنى نبع الماء من الأمكنة المرتفعة، فشُبّهت بالتنانير لعلوّها. وخامسها: اشتداد غضب الله عليهم، ووقوع نقمته بهم. وهذا أبعد الأقوال من المأثور من الروايات، وحمل الكلام على الحقيقة التي تشهد بها الرواية الأولى[8].


3- غيابة الجبّ:

 

- مَورِد المفردة في القرآن:

قوله تعالى: ﴿قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾[9].

- المعنى اللغويّ:

• "الغين والياء والباء أصل صحيح يدلّ على تستّر الشيء عن العيون، ثمّ يُقاس من ذلك الغيب، ما غاب ممّا لا يعلمه إلا الله،... والغِيْبَة الوَقِيعَة في الناس من هذا، لأنّها لا تُقال إلا في غَيْبَة"[10].

و"الغَيَابَةُ: منهبط من الأرض، ومنه: الغَابَةُ للأجمّة، قال: ﴿فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ﴾"[11].

• "الجيم والباء في المضاعف أصلان، أحدهما القطع، والثاني تجمّع الشيء"[12]. "قال اللَّه تعالى: ﴿وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ﴾, أي: في بئر لم تُطوَ، وتسميته بذلك إمّا لكونه محفوراً في جَبُوب، أي في أرض غليظة، وإمّا لأنّه قد جُبّ، والجَبُّ: قطع الشيء من أصله، كجبّ النخل"[13].

- المعنى التفسيريّ:

استعمل القرآن الكريم هاتين المفردتين بمعنى البئر التي لا يُرى ما في قعرها لشدّة ظلمتها في قوله تعالى: ﴿قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾. فقد حكى الله تعالى قصّة يوسف عليه السلام وإخوته، وما فعلوه به، بإلقائهم إيّاه في بئر لم تُطوَ، أي لم يُبنَ داخلها بالحجارة، يغيب ما فيها عن الأنظار لشدّة ظلمتها، لكي يجده بعض مارّة الطرق والمسافرين الذين يقصدون البئر للشرب، ويذهبوا به إلى ناحية أخرى من البلاد. واختلف المفسّرون في القائل لذلك على أقوال، منها: أنّه شمعون. وقيل: هو روبين، وهو ابن خالة يوسف، وكان أحسنهم رأياً فيه، فنهاهم عن قتله. وقيل: هو يهوذا، وكان أقدمهم في الرأي والفضل، وأسنّهم. وقيل: هو لاوي للمرويّ عن أهل البيت عليهما السلام. واختلفوا أيضاً في ذلك الجبّ، فقيل: هو بئر بيت المقدس. وقيل: بأرض الأردن. وقيل: بين مدين ومصر. وقيل: على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب[14].


4- يرتع:

 

- مَورِد المفردة في القرآن:

قوله تعالى: ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[15].

- المعنى اللغويّ:

"الراء والتاء والعين كلمة واحدة، وهي تدلّ على الاتّساع في المأكل. تقول: رتع يرتع، إذا أكل ما شاء، ولا يكون ذلك إلا في الخصب. والمراتع مواضع الرتعة، وهذه المنزلة التي يستقرّ فيها الإنسان"[16]. و"الرَّتْعُ أصله: أكل البهائم، يقال: رَتَعَ يَرْتَعُ رُتُوعاً ورِتَاعاً ورِتْعاً، قال تعالى: ﴿يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ﴾ (يوسف/ 12)، ويُستعار للإنسان، إذا أريد به الأكل الكثير، على طريق التشبيه"[17].

- المعنى التفسيريّ:

استعمل القرآن الكريم هذه المفردة بمعنى التوسّع في الأكل والتنزّه والترويح عن النفس في قوله تعالى: ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[18], إذ بيّن سبحانه أنّهم بعد اتّفاق آرائهم في ما بينهم وتآمرهم بشأن يوسف عليه السلام، وبعد سؤالهم أباهم السماح ليوسف بالذهاب معهم يوم غدٍ، واستشعارهم عدم ثقة أبيهم بهم، أخذوا يبرّرون له أنّهم ناصحون مخلصون في إرادة الخير بأخيهم، ومّما أوردوه من محاولات إقناع لأبيهم، ما حكاه القرآن الكريم عنهم، من أنّ اقتراحهم أخذ يوسف عليه السلام فيه مصلحة له، وهو نابع من محبّتهم له، لأن يأكل ويلهو ويلعب ويروح ويجيء من دون قيود، فيسعد بذلك وتطيب نفسه، على أن يحفظوه ويتعهّدوه ويردّوه إلى أبيهم بعد ذلك[19].


5- المَثُلَات:

 

- مَورِد المفردة في القرآن:

قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[20].

- المعنى اللغويّ:

"الميم والثاء واللام أصل صحيح يدلّ على مناظرة الشيء للشيء... ويقولون مثَّل بالقتيل: جدعه. والمثلات من هذا أيضاً"[21]. و"الْمُثْلَةُ: نقمة تنزل بالإنسان، فيجعل مثالاً يرتدع به غيره، وذلك كالنكال، وجمعه مُثُلَاتٌ ومَثُلَاتٌ، وقد قرئ: ﴿مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ﴾ (الرعد/ 6)، و(الْمَثْلَاتُ)، بإسكان الثاء على التخفيف، نحو: عَضُدٍ وعَضْدٍ، وقد أَمْثَلَ السلطان فلاناً: إذا نكَّل به"[22].

- المعنى التفسيريّ:

استعمل القرآن الكريم هذه المفردة بمعنى العقوبات التي تكون موضع عبرة وموعظة للناس، في قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾. فقد أخبرنا القرآن الكريم عن الحالة التي وصل إليها المشركون في إنكارهم الدعوة التي جاءهم بها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، حتّى بلغ بهم الأمر أن طلبوا استعجال الأمر الإلهيّ بحلول العذاب الذي توعّدهم به صلى الله عليه وآله وسلم، بسبب إنكارهم واستكبارهم. والحال أنّ هؤلاء المشركين لا يعتبرون بما حلّ بالأقوام السابقة من عقوبات يعتبر بها المعتبرون. فبدلاً من طلبهم نزول الرحمة والإحسان، استعجلوا العذاب وحلول النقمة فيهم[23].

-----------------------------------------------


[1] سورة هود، الآية 23.

[2] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، 238.

[3] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص272.

[4] انظر: الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن ، م.س، ج5، ص259، الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج10، ص193.

[5] سورة هود، الآية 40.

[6] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، ص458.

[7] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص647.

[8] انظر: الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج5، ص278-279، الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج10، ص226.

[9] سورة يوسف، الآية 10.

[10] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، ص403.

[11] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص617.

[12] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، ص423.

[13] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص182.

[14] انظر: الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج5، ص365، الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج11، ص96.

[15] سورة يوسف، الآية 12.

[16] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، ص486، وانظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج8، ص112.

[17] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص341.

[18] سورة يوسف، الآية 12.

[19] انظر: الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج5، ص368-369، الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج11، ص97-98.

[20] سورة الرعد، الآية 6.

[21] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، ص297.

[22] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص760.

[23] انظر: الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج6، ص13-14، الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج11، ص300-301.

 
2022-11-01 | 496 قراءة