مفردات غريب القرآن الكريم 9

- المفردات:


- عَنَتِ

- هَضْمًا

- فَيَدْمَغُهُ

- فِجَاجًا

- عِطْفِهِ



1- عَنت:

 

- مَورِد المفردة في القرآن:

قوله تعالى: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾[1].

- المعنى اللغويّ:

"العين والنون والتاء أصل صحيح يدلّ على مشقّة"[2]. و"الْمُعَانَتَةُ كالمعاندة، لكن المُعَانَتَةُ أبلغ، لأنّها معاندة فيها خوف وهلاك، ولهذا يقال: عَنَتَ فلان: إذا وقع في أمر يخاف منه التلف، يَعْنُتُ عَنَتاً. قال تعالى: ﴿لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ (النساء/ 25)، ﴿وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ﴾ (آل عمران/ 118)، ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ (التوبة/ 128)، ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾، أي: ذلَّت وخضعت. ويقال: أَعْنَتَه غيرُه. ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ﴾ (البقرة/ 220)"[3].

- المعنى التفسيريّ:

استعمل القرآن الكريم هذه المفردة بمعنى الخضوع لله تعالى، خضوع مذلّة وغلبة وقهر، في قوله تعالى: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾. فبعد كلامه تعالى عن بعض علامات حلول الساعة، أخبر عن ظهور السلطنة الإلهيّة يوم القيامة، فلا يملك شيء شيئاً بحقيقة معنى الكلمة، وهو الذلّة والمسكنة مطلقاً، وإنّما نسبت العنوة إلى الوجوه، لأنّها أوّل ما تبدو تظهر في الوجوه. وقيل: المراد بالوجوه الرؤساء والقادة والملوك،

أي: يذلّون وينسلخون عن ملكهم وعزّهم. ولازم هذه العنوة أن لا يمنع حكمه ولا نفوذه فيهم مانع، ولا يحول بينه وبين ما أراد بهم حائل. واختير من أسمائه تعالى الحيّ القيّوم، لأنّ مورد الكلام الأموات الذين أُحيوا ثانياً، وقد تقطّعت عنهم الأسباب اليوم، والمناسب لهذا الظرف من صفاته، حياته المطلقة وقيامه بكلّ أمر. وقد خسر ثواب الله من جاء يوم القيامة كافراً ظالماً مجرماً[4].


2- هضماً:

 

- مَورِد المفردة في القرآن:

قوله تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾[5].

- المعنى اللغويّ:

"الهاء والضاد والميم أصلٌ صحيح يدلّ على كسر وضغط وتداخل. وهضمت الشيء هضماً: كسرته... والهاضوم: الذي يهضم الطعام... والطلع الهضيم: الداخل بعضه في بعض. وهضمت لك من حقّي طائفة: تركته. والمتهضّم: الظالم. والأهضام: بطون من الأودية سمّيت بذلك لغموضها، الواحد هضم"[6]. و"الْهَضْمُ: شدخ ما فيه رخاوة، يقال: هَضَمْتُه فَانْهَضَمَ، وذلك كالقصبة الْمَهْضُومَةِ التي يزمّر بها. ومزمار مُهْضَمٌ. قال تعالى: ﴿وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ﴾ (الشعراء/ 148)، أي: داخل بعضه في بعض، كأنّما شدخ... واستعير الْهَضْمُ للظلم. قال تعالى: ﴿فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾[7].

- المعنى التفسيريّ:

استعمل القرآن الكريم هذه المفردة بمعنى النقص والتفريط في الحقّ بما يؤدّي إلى الظلم، في قوله تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾. فبعد أن ذكر الله تعالى خضوع الخلق يوم القيامة له خضوع ذلّة وقهر وغلبة، أخبر عن مآل الكافرين الظالمين المجرمين، وبيّن أنّ من جاء يوم القيامة بالعمل الصالح المقيّد بالإيمان، فهو في مأمن ومنجى من العذاب، وفي مستقرّ من النعيم المقيم، فليس له أن يخاف الظلم، ولا أن يؤخذ بذنب لم يقترفه، ولا أن يُنقص من عمله شيء، ولا من ثوابه الذي وعده الله تعالى به، جزاءً على إيمانه وعمله الصالح[8].


3- فيدمغه:

 

- مَورِد المفردة في القرآن:

قوله تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾[9].

- المعنى اللغويّ:

"الدال والميم والغين كلمة واحدة لا تتفرّع ولا يقاس عليها. فالدماغ معروف. ودمغته ضربته على رأسه حتّى وصلت إلى الدماغ. وهي الدامغة"[10]. و"قال تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ﴾ (الأنبياء/ 18)، أي: يكسر دِمَاغَه، وحجّة دَامِغَة كذلك"[11].

- المعنى التفسيريّ:

استعمل القرآن الكريم هذه المفردة بمعنى الإبطال بالحجّة والدليل في قوله تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾. فبعد ما أخبر الله تعالى أن خلقه للعالم لم يكن لعباً أو لهواً، أضرب عن هذه الافتراءات وبيّن أنّ سنّته الجارية، هي أن يرمي بالحقّ على الباطل رمياً بعيداً فيهلكه، فيفاجئه الذهاب والتلف. فإنْ كان الباطل حجّة أو عقيدة، فحجّة الحقّ تبطلها، وإنْ كان عملاً وسنّة، كما في القرى المسرفة

الظالمة، فالعذاب المستأصل يستأصله ويبطله. وإن كان غير ذلك، فغير ذلك من الإبطال، لإطلاق الآية، وكونها غير مقيّدة بالحقّ والباطل في الحجّة أو في السيرة والسنّة أو في الخلقة، فلا دليل على تقييدها بشيء من ذلك. وفي التعبير بصيغة المضارع "نقذف" دلالة على الاستمرار، وكونه سنّة جارية. وفي التعبير بـ "فيدمغه"، دلالة على علوّ الحقّ على الباطل. وفي التعبير بـ"فإذا هو زاهق"، دلالة على مفاجأة القذف ومباغتته، في حين لا يُرجى للحقّ غلب ولا للباطل انهزام. وعند حصول ذلك سيرى معشر الكفّار الهلاك ممّا كانوا ينسبونه إليه تعالى، من اتّخاذ الصاحبة والولد وما شابههما من الافتراءات على الله عزّ وجلّ[12].


4- فجاجاً:

 

- مَورِد المفردة في القرآن:

قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾[13].

- المعنى اللغويّ:

"الفاء والجيم أصل صحيح يدلّ على تفتّح وانفراج"[14]. و"الفَجُّ: شُقَّةٌ يكتنفها جبلان، ويستعمل في الطريق الواسع، وجمعه فِجَاجٌ. قال: ﴿مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ (الحجّ/ 27)"[15].

- المعنى التفسيريّ:

استعمل القرآن الكريم هذه المفردة بمعنى الطُرُق في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾[16]، حيث بيّن سبحانه كمال قدرته وشمول نعمته، بأنْ جعل في الأرض جبالاً ثابتة تحفظها من الحركة والاضطراب، وطرقاً واسعة بينها، ولولا ذلك لما أمكن أن يهتدوا إلى مقاصدهم ومواطنهم في الأسفار[17].


5- عِطْفِه:

 

- مَورِد المفردة في القرآن:

قوله تعالى: ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾[18].

- المعنى اللغويّ:

"العين والطاء والفاء أصل واحد صحيح يدلّ على انثناء وعياج"[19]. و"العَطْفُ يقال في الشيء إذا ثُني أحد طرفيه إلى الآخر، كعطف الغصن والوسادة والحبل، ومنه قيل للرداء المثنيّ: عِطَاف. وعِطْفَا الإنسان: جانباه من لدن رأسه إلى وركه، وهو الذي يمكنه أن يلقيه من بدنه. ويقال: ثنى عِطْفَه: إذا أعرض وجفا، نحو: ﴿وَنَأى بِجَانِبِهِ﴾ (الإسراء/ 83)، وصعّر بخدّه، ونحو ذلك من الألفاظ"[20].

- المعنى التفسيريّ:

استعمل القرآن الكريم هذه المفردة بمعنى الإعراض بتكبّر وتجبّر في قوله تعالى: ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾. لقد أخبر الله تعالى عن حالة صنف من الناس معرضين عن الحقّ مع وضوحه، ومجادلين فيه بلا حجّة ولا بيّنة ولا دليل من العقل والسمع، متّبعين الهوى والتقليد الأعمى، مائلين عن الحقّ تكبّراً وتجبّراً في أنفسهم ليضلّوا الناس عن طريقه، فهولاء لهم هوان وذلّ وفضيحة في الدنيا، بما يجري لهم على ألسنة المؤمنين من الذمّ، وبالقتل، وغير ذلك، ولهم يوم القيامة عذاب النار التي تحرقهم[21].

------------------------------------------------


[1] سورة طه، الآية 111.

[2] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، ص150، وانظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج15، ص101.

[3] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص589-590.

[4] انظر: الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج7، ص58-59، الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج14، ص212-213.

[5] سورة طه، الآية 112.

[6] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج6، ص55.

[7] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص843.

[8] انظر: الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج7، ص59، الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج14، ص213.

[9] سورة الأنبياء، الآية 18.

[10] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، ص302، وانظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج8، ص425.

[11] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص318.

[12] انظر: الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج7، ص77، الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج14، ص263-264.

[13] سورة الأنبياء، الآية 31.

[14] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، ص437، وانظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج2، ص338.

[15] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص625.

[16] سورة الأنبياء، الآية 31.

[17] انظر: الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج7، ص84، الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج14، ص279.

[18] سورة الحجّ، الآية 9.

[19] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، ص351، وانظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج9، ص252.

[20] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص572.

[21] انظر: الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج7، ص130، الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج14، ص249.

 
 
2022-11-01 | 415 قراءة