أَثَارَةٌ مِنْ عِلْمٍ
قال تعالى في الآية الرابعة من سورة الأحقاف: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
ذكر علماء اللغة والمفسّرون معانيَ عدة لكلمة (أثارة) تعود إلى معنى واحد، وهو الأثر الذي يبقى من الشيء ويدل على وجوده. فيكون التعبير بـ (أثارةٍ من علم) إشارةً إلى سنن الأنبياء الماضين وأوصيائهم، أو آثار العلماء السابقين.
فالآية تخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقول له: قل لهؤلاء المشركين: إذا كنتم تقرّون بأنّ الأصنام لا دخل لها في خلق الموجودات، وتقولون بصراحة بأنّ الله هو خالقها جميعا، فعلام تمدّون أكفّكم إليها تستمدون منها العون في حلّ معضلاتكم، ودفع البلاء عنكم، واستجلاب البركات إليكم؟
وإذا قلتم - على سبيل الفرض -: إنّها شريكة في أمر الخلق والتكوين فإنّ الدليل على أمر عقائدي إمّا أن يكون نقلياً عن طريق الوحي السماوي، أو عقلياً منطقيا، أو بشهادة العلماء وتقريرهم، أمّا أنتم فلستم مستندين إلى الوحي والكتاب السماوي في دعواكم حول الأصنام، وغير قادرين من طريق العقل على إثبات اشتراكها في خلق السماوات والأرض وبالتالي إثبات كونها آلهة، ولم يرد أثر من أقوال العلماء الماضين ما يؤيد رأيكم ويدعم اعتقادكم، ومن هنا يتبين أنّ دينكم ومعتقدكم لا يعدو كونه مجموعة الخرافات، والأوهام الكاذبة.
أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ
جاء هذا التعبير في الآية السابعة والعشرين من سورة هود وهي قوله تعالى حاكياً عن قوم نوح عليه السلام: (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ).
(الأراذل) جمع ل (أرذل) وتأتي أيضا جمع ل (رذل) وهي تعني الموجود الحقير، سواء كان إنسانا أم شيئا آخر غيره.
ووصف هؤلاء بـ (بادي الرأي) أي الذين يعتمدون على الظواهر من دون نظر وتأمل.
لقد رد الإشراف والمترفون من قوم نوح على دعوة نبيهم – بحسب الآية - بإشكالات ثلاثة:
الأول: قالوا له أنت مثلنا ولا فرق بيننا وبينك، زاعمين أنّ الرسالة الإلهية ينبغي أن تحملها الملائكة إلى البشر لا أنّ البشر يحملها إلى البشر.
والإشكال الثاني: إنّهم قالوا: يا نوح، لا نرى متّبعيك ومن حولك إلا حفنة من الأراذل وغير الناضجين الذين لم يسبروا مسائل الحياة.
والإشكال الثالث الذي أوردوه على نوح عليه السلام أنّهم قالوا: بالإضافة إلى أنك إنسان ولست ملَكا، وأنّ الذين آمنوا بك والتفّوا حولك هم من الأراذل، فإنّنا لا نرى لكم علينا فضلاً بل نظنّكم كاذبين.
أصحابُ الرّس
ورد ذكر أصحاب الرَّسّ في آيتين من القرآن الكريم:
في الآية الثامنة والثلاثين من سورة الفرقان، وهي قوله تعالى: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا).
وفي الآية الثانية عشرة من سورة قاف، وهي قوله عز وجل: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ).
وقد تعدّدت أقوال المفسرين في حقيقة هؤلاء القوم إلّا أنّ أرجح الأقوال ما جاء في كتاب (عيون أخبار الرضا عليه السلام) في حديث طويل خلاصته أنّهم كانوا قوماً يعبدون شجرة صنوبر، وكان لهم اثنتا عشرة قرية معمورة على شاطئ نهر يقال له (الرس).
وقد غرسوا في كلّ قرية منها من طلع تلك الصنوبرة حبّة. أجروا عليها نهراً من العين التي عند الصنوبرة، وحرّموا شرب مائها على أنفسهم وأنعامهم، ومن شرب منه قتلوه، وقد جعلوا في كلّ شهر من السنة يوماً في كل قرية عيداً يخرجون فيه إلى الصنوبرة التي خارج القرية، يقرّبون إليها القرابين ويذبحون الذبائح..
ولمّا طال منهم الكفر بالله عز وجل وعبادة الشجرة، بعث الله إليهم رسولاً من بني إسرائيل من ولد يهودا، فدعاهم برهة إلى عبادة الله وترك الشرك، فلم يؤمنوا، فدعا على الشجرة فيبست، فلمّا رأوا ذلك ساءهم، فاجتمعت آراؤهم على قتله، فحفروا بئرا عميقا وألقوه فيها، وسدوا فوهتها، فلم يزالوا عليها يسمعون أنينه حتى مات، فأتبعهم الله بعذاب شديد أهلكهم عن آخرهم.
الْأَكْمَهُ وَالْأَبْرَصَ
قال تعالى في الآية التاسعة والأربعين من سورة آل عمران حاكياً قول عيسى عليه السلام: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
(الأكمه) قيل هو الأعمى منذ الولادة. وذهب البعض إلى أنّه من لا عينان له بالأصل.
والأبرص هو المصاب بمرض جلدي عبارة عن مساحات بيضاء واسعة على البشرة.
ولا شك أن قيام عيسى عليه السلام بكل هذه الأعمال المعجزة ومنها إبراؤه الأكمه والأبرص كان بالنسبة لعلماء الطب في ذلك الزمان أمرا خارقا لا يمكن إنكاره.
عن الإمام الرضا عليه السلام وقد سئل عن معجزات المسيح عليه السلام أنّه قال: وإنّ الله تعالى بعث عيسى عليه السلام في وقت ظهرت فيه الزمانات (وهي الآفات البدنية) واحتاج الناس إلى الطب فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيى لهم الموتى وأبرء الأكمه والأبرص بإذن الله.