أيها الناس هذه دار ترح لا دار فرح «1» و دار التواء «2» لا دار استواء فمن عرفها لم يفرح لرجاء و لم يحزن لشقاء ألا و إن الله خلق الدنيا دار بلوى و الآخرة دار عقبى فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا و ثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا فيأخذ ليعطي و يبتلي ليجزي و إنها لسريعة الذهاب و وشيكة الانقلاب فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها «3» و اهجروا لذيذ عاجلها لكربة آجلها و لا تسعوا في عمارة قد قضى الله خرابها و لا تواصلوها و قد أراد الله منكم اجتنابها فتكونوا لسخطه متعرضين و لعقوبته مستحقين.
أيها الناس اتقوا الله حق تقاته و اسعوا في مرضاته و أيقنوا من الدنيا بالفناء و من الآخرة بالبقاء و اعملوا لما بعد الموت فكأنكم بالدنيا لم تكن و بالآخرة لم تزل أيها الناس إن من في الدنيا ضيف و ما في أيديهم عارية و إن الضيف مرتحل و العارية مردودة ألا و إن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر و الفاجر و الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك عادل قادر فرحم الله امرأ ينظر لنفسه و مهد لرمسه «4» ما دام رسنه مرخيا و حبله على غاربه ملقيا قبل أن ينفد أجله و ينقطع عمله.
(1) الترح ضد الفرح.
(2) من- لوى يلوى ليا-: الحبل فتله و ثناه. و التوى التواء مطاوع لوى.
(3) الفطام انقطاع الرضاع و فصل الولد عنه.
(4) الرمس مصدر بمعنى القبر مستويا لا يعلو عن وجه الأرض.
المصدر:
بحار الأنوار ج 74