شخصيات من القرآن الكريم

01- لقمان الحكيم

 

 

لم يرد ذكر لقمان في كتاب الله عز وجل إلا في السورة التي تحمل اسمه،  قال تعالى: وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ. 
وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «والله ما أوتي لقمان الحكمة لحسَب ولا مال ولا بسط في جسم ولا جمال، ولكنه كان رجلا قويا في أمر الله، متورّعا في الله، ساكتا سكينا عميق النظر، طويل التفكر، حديد البصر. ولم ينم نهارا قط، ولم يتكئ في مجلس قط، ولم يمرّ بين رجلين يقتتلان أو يختصمان إلا أصلح بينهما، وكان يكثر مجالسة الفقهاء والعلماء، ويتعلّم من العلوم ما يغلب به نفسه، ويجاهد به هواه، وكان لا يظعن - أي لا يسافر - إلا فيما ينفعه، ولا ينظر إلا فيما يعنيه، فبذلك أوتي الحكمة ومنح العصمة. 
وقال بعض الناس للقمان: ألست كنت ترعى الغنم معنا؟ فقال: نعم، فقالوا: من أين أوتيت ما نرى؟ قال: قدَر الله، وأداء الأمانة، وصدق الحديث، والصمت عمّا لا يعنيني. 
وثمة قصة معروفة أيضا عن لقمان، وهي أن مولاه دعاه - يوم كان عبدا - فقال: اذبح شاة، فأتني بأطيب مضغتين منها، فذبح شاة، وأتاه بالقلب واللسان. وبعد عدة أيام أمره أن يذبح شاة ويأتيه بأخبث أعضائها، فذبح شاة وأتاه بالقلب واللسان، فتعجب وسأله عن ذلك فقال: إنّ القلب واللسان إذا طهرا فهما أطيب من كل شئ، وإذا خبثا كانا أخبث من كل شئ. 

 


02- آسية بنت مزاحم

 

 

جاء في بعض كتب التفسير أنّ امرأة فرعون تسمّى (آسية بنت مزاحم)، وكانت من بني إسرائيل..
وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في آيتين، الأولى هي قوله تعالى في سورة التحريم: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾. 
والثانية في سورة القصص في معرض السرد لقصة موسى عليه السلام) عندما كان طفلا رضيعا: ﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا...﴾. 
وقد آمنت – تلك السيدة الجليلة - بالله تعالى منذ أن شهدت معجزة موسى (عليه السلام) أمام السحرة، واطمأنَّ قلبها بالإيمان لما كانت تملك من استعداد روحي وصفاء في النفس.
وبمجرد أن اطّلع فرعون على إيمانها نهاها مرات عديدة وأصرّ عليها أن تتخلّى عن رسالة موسى وربه، غير أنّ آسية رفضت الاستسلام لإرادة فرعون بالرغم من كلّ وسائل الترغيب والترهيب التي مورست بحقها.
وأخيرا أمر فرعون أن تعذّب بتثبيت يديها ورجليها بالمسامير، وأن تترك تحت أشعة الشمس الحارقة، مع صخرة كبيرة فوق صدرها ففارقت روحها جسده وهي تناجي ربها عز وجل (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة).. 
واستحقت آسية أن تكون من سيدات نساء العالمين، فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسيا بنت مزاحم امرأة فرعون». 

 


03- إمرأتا نوح ولوط

 

 

جاء في سورة التحريم الآية العاشرة منها: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ).   
زوجتان غير تقيتين لنبيّين عظيمين، هما نوح ولوط عليهما السلام .. وقد ورد في كلمات بعض المفسرين أنّ زوجة نوح كانت تدعى "والهة" وزوجة لوط "والعة".  وقد وصفهما القرآن بالخيانة لزوجيهما،  والخيانة هنا لا تعني الانحراف عن جادة العفة، فلا يمكن أن تخون زوجة نبي بهذا المعنى للخيانة، فقد جاء عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «ما بغت امرأة نبيّ قط». 
وبناءا على هذا فقد ذكر العلماء والمفسّرون بأنّ خيانة زوجة لوط إنما كانت بإفشائها أسرار هذا النبي العظيم إلى أعدائه، وكذلك فعلت زوجة نوح. 
وقيل بأن امرأة نوح كانت كافرة تقول للناس إنه مجنون، وإذا آمن به أحد أخبرت به الجبابرة من قوم نوح.
وأما امرأة لوط فكانت تدلّ أهل الفجور من قومه على ضيوفه، وتلك هي خيانتهما. 
إنّهما امرأتان لا مثيل لشقائهما، فقد كانتا في ظلّ النعمة الإلهية في بيت النبوة المطهر الذي يشع نورا على الناس ومع ذلك لم تبادرا إلى الاستفادة من هذه النعمة الكبرى ولم تهتديا إلى سبيل السعادة والنجاة في رحاب طاعة الله ورضوانه، مثلهما في ذلك كمثل الظمآن يموت عطشا وهو قائم على نبع ماء جارٍ وماؤه عذب زلال لذة للشاربين. 

 


04- مريم ابنة عمران

 

 

شخصية لقيت عناية إلهية خاصة.. ذكرها القرآن الكريم بالمدح في مواطن عدّة في سورة آل عمران، وفي سور: النساء، والمؤمنون، والتحريم، والأنبياء، فضلاً عن سورة كاملة حملت اسمها هي سورة مريم.  
لقد شمل الله تبارك وتعالى مريم بلطف عنايته منذ ولادتها حيث إنّ أمّها حنّة امرأة عمران كانت امرأة طاهرة مؤمنة، وهي التي وهبت ما في بطنها لله خالصاً عندما كانت تحمل مريم، وحصّنتها بالله تعالى من رجس الشيطان هي وذريتها.
ثم جعل الله سبحانه مريم الطفلة في كفالة زوج خالتها نبي الله زكريا (عليه السلام) ليرعاها ويشرف على تنشئتها وتربيتها كما يحبّ الله ويرضى.
وبعد أن أنبتها ربّها في بيت الطهر والنبوة اصطفاها من بين كل النساء وطهرها وجعلها سيدة نساء العالمين في زمانها. قال تعالى في ذلك: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾. 
ويرجع سبب اصطفائها إلى بيّنه الله تعالى في سورة التحريم حيث قال: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾. 
وممّا حازت به مريم من الشرف العظيم أن جعلها أمّاً لنبي عظيم من أنبيائه ومن أولى عزم منهم هو عيسى عليه السلام الذي ولد بمعجزة من غير أب ليكون آية للعالمين.. وهو النبي الذي جاء مبشرا بالرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والذي رفعه الله تعالى إلى السماء مدخرا إياه لمهمّات كبرى في إقامة دولة العدل الإلهية في آخر الزمان.

 


05- إمرأة العزيز

 

 

إنّها "زليخا" زوجة عزيز مصر في زمن الفراعنة، ومن الطبقة الحاكمة التي كانت تعيش الرفاهية في مجتمع مترف بعيدا عن الضوابط الروحية الإيمانية. 
ورد ذكرها في القرآن الكريم من خلال العرض القرآني لقصة يوسف (عليه السلام) وما جرى عليه من أحداث في البلاد المصرية.  
كانت زليخا سيدة القصر المنيف وحولها الخدم والحشم وكلّهم رهن إشارتها في بيئة بعيدة عن الرقابة. وذات يوم دخل عليها زوجها ومعه غلام بهيّ فائق الجمال، فطلب منها أن تُحسن معاملته وتُكرم مثواه علَّه ينفعهما أو يتخذانه ولداً حيث أنها كانت عاقرا لا تلد. 
تعلّقت زليخا بالغلام منذ اليوم الأول، ولمّا بلغ سنّ الفتوّة والمراهقة وقعت في هواه.. وبدلاً من أن تتصرف كأي امرأة عاقلة وتحصّن نفسها بالحياء والعفّة ارتمت في أحضان الهوى الأعمى، وعلِقت في حبائل الشهوة الشيطانية، فحاولت إغواء يوسف باللين والمداراة لتجرّه إلى الفحشاء.
 قال تعالى في بيان قصتها: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾.. ولكنّ زليخا لم تلتفت إلى تنبيهات يوسف عليه السلام وصدّه لها لأنّ قلبها وعقلها كانا محجوبين عن العاقبة بحجب الغريزة الحيوانية والشهوة الشيطانية.
فهجمت على يوسف تريد النيل منه ولو بالقوّة، فصدّها ودافعها وتوجّه إلى الباب هرباً منها.. لكنها أدخلته بمكرها السجن فلبث فيه بضع سنين إلى أن خرج وأظهر براءته وصار عزيزا لبلاد مصر. 
وأمّا خاتمة امرأة العزيز فيروى أنّها افتقرت عقب موت زوجها في سني الجدب واحتاجت حتى صار تطلب الصدقة من الناس في الطرقات.. فأقبل يوسف في موكبه فقامت إليه وقالت: سبحان الذي جعل الملوك بالمعصية عبيدا، وجعل العبيد بالطاعة ملوكا. 

 


06- مؤمن آل فرعون

 

 

رجل مجاهد بالكلمة والموقف جاء ذكره في سورة غافر المباركة والتي تسمّى أيضا بسورة «المؤمن»، نظرا إلى أنّ قسما كبيراً منها قد خُصِّصَ للحديث عنه. 
جاء في المصادر أنّ اسمه حزبيل، وقد نُسب إلى آل فرعون لأنّه كان من أقاربه وأرحامه.. وقيل: إنّه كان ولي عهده من بعده.
وقد عُدّ مؤمن آل فرعون من السابقين إلى الإيمان.. وقد ورد عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «سُبَّاق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين فهم الصِّدِّيقون: حبيب النجار مؤمن آل ياسين، وحزبيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم».
آمن حزبيل بموسى (عليه السلام) واعتبر نفسه مكلّفاً بحمايته من أي خطرٍ يمكن أن يتهدّده من قِبل فرعون وأعوانه. 
وعندما برز هذا الخطر متمثلاً بإرادة فرعون قتلَ نبيّ الله موسى بادر حزبيل بأسلوبه المؤثّر وحكمته لكي يخلّصه من الموت المحقَّق الذي أحاط به.. مستفيدا من موقعه المتميّز في بلاط فرعون. 
فنصائح هذا المؤمن وضعت فرعون بين احتمالين عقليين: فإمّا أن تكون دعوى موسى كاذبة، فهي ستزول كما يزول السراب بلا حاجة إلى قتله، وإمّا أن تكون صادقة فقتلُه حينئذٍ سيرتّب آثاراً خطيرةً وسيتحقَّق بمقتله كلّ ما توعَّدهم به من العقوبات الإلهية.
إنّ موقف مؤمن آل فرعون هو تعبير عن الإحساس بالمسؤولية الكبرى عند المنعطفات الحاسمة في مسيرة الرسالات، وإن موقفا صادقا من مؤمن مجاهد لا يخاف في الله تعالى لومة لائم لجدير بأن يترك أثره في مسيرة الإنسانية وأن يكتب له الخلود ليكون معلما في طريق الأحرار. 

 


07- حبيب النجار

 

 

ويعرف أيضا بـ«صاحب ياسين» وذلك لأنّ ذكره جاء في سورة «يس» المباركة.. كان ذلك عند الحديث عن رسولَي السيد المسيح (عليه السلام) إلى أنطاكية، وكانا اثنين من حواريِّيه هما «صادق» و«مصدّق» فكذّبهما أهل المدينة واعتدَوا عليهما، فعززهما الله تعالى بـ«شمعون الصفا».
وكان حبيب النجار ممّن قد سمع دعوة هؤلاء الرسل وسارع إلى الإيمان بها بعد أن رأى دلائل صدقهم وقوة حجّتهم، ما يدلّل على عقله الراجح وفطرته السليمة، فكان مؤمناً ثابت الإيمان راسخ اليقين.  وحينما بلغ حبيبا اضطراب المدينة واحتمال أن يقوم الناس بقتل هؤلاء الرسل، أسرع إليهم ودافع عن الحقّ بما استطاع ولم يدَّخر في ذلك وسعاً. قال تعالى: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾.
وفي معرض دفاعه عن رسل المسيح عليه السلام يستدل حبيب النجار عى التوحيد الذي جاؤوا به فيقول: ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾. 
كما إنه يرفض عبادة الأصنام بقوله: ﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ﴾.  
لكنّ حديث حبيب النجار الزاخر بالاستدلالات القوية الدامغة، والنافذة إلى القلب، لم يكن له الأثر الإيجابي في تلك القلوب السوداء لمشركي أنطاكية، بل إنّه أثار فيها الحقد والعداوة، فقتلوه بمنتهى القسوة والغلظة، وهو يقول: (اللهم اهد قومي)..
وعرجت الروح الطاهرة لذلك المؤمن إلى جوار رحمة الله وفي نعيم الجنان، وهناك لم تكن له سوى أمنية واحدة: ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾. 

 


08- السامري 

 

 

هو رجل من بني إسرائيل ذكره القرآن الكريم في سورة طه في معرض السرد لقصة موسى (عليه السلام) مع قومه، وذهابه لميقات ربه.  
والسامري هذا كان رجلاً منحرفاً، وعالماً ماكراً في الوقت نفسه، حيث استطاع أن يستغلّ نقاط ضعف بني إسرائيل وأن يوجد تلك الفتنة العظيمة التي سبّبت ميل الأغلبية الساحقة إلى عبادة الأصنام. 
وفي القصة: أنّ موسى (عليه السلام) مضى إلى ميقات ربّه الذي واعده فيه لكي يعطيه الألواح وما فيها من تشريعات فيستقيم عليها بنو إسرائيل، فاستغلّ السامري فترة الغياب هذه فجمع ما كان لدى بني إسرائيل من حليّ ذهبية، وصنع منها عجلاً له صوت خاصّ، ودعاهم لعبادته فأتّبعه أكثرهم. 
ولمّا عاد موسى (عليه السلام) من رحلته ووجد بني إسرائيل على هذه الحال من الشرك والضلال أقام محاكمة عاجلة لتدارك هذا البلاء العظيم وبدأ بأخيه هارون الذي تبيّن للجميع أنّ القوم استضعفوه بعد أن تبعوا السامري وعِجله بأغلبيتهم الساحقة، عندها التفت موسى (عليه السلام) إلى السامري وقال له: ما الذي طلبته من فعلك الشنيع هذا؟ وماذا أردت من إضلال الناس وكيف فعلت ذلك؟ فقال: ﴿بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ أي أنه كان يمتلك علماً خاصاً جعله يعرف أثر الرسول – الذي تقول الروايات إنه جبريل عليه السلام- ويحصل على هذا الاثر، ولكنه سخّره في خدمة الشرّ والضلال.    
 وقد أخبر موسى (عليه السلام) السامري بالعقاب الذي قضاه الله في حقه: ﴿قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ﴾.
فصار السامري يهيم في البرية مع الوحش والسباع، وكان إذا لقي أحدا يقول: «لا مساس» أي لا تمسّني ولا تقربني، وصار ذلك عقوبة له في الدنيا.
 


09- فرعون

 

 

قيل إنّ (فرعون) هو اسم كلّ ملك من ملوك العمالقة، مثل: «كسرى للفرس» و«قيصر للروم» و«النجاشي للحبشة». 
والاسم الخاصّ لفرعون موسى عليه السلام هو «الوليد ابن مصعب بن الريان»، وهو من بني عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام.
وقد ذُكر فرعون في القرآن الكريم مرات كثيرة كلّها تصف رداءة فعله وسفاهة عقله وسوء عاقبته وهلاك دولته، وقد كان من الجبّارين المستكبرين في الأرض والمفسدين فيها، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾. 
ووصل الطغيان والغرور بفرعون إلى إعلان نفسه ربّا للناس وأصنامهم التي يعبدونها من دون الله ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾، ثم معاندته للحقّ لما جاءه ومواجهته لنبي الله موسى (عليه السلام)، متوسلاً في ذلك كلّ وسائل الخداع والتمويه والتعمية وأهمها السحر.   
وعندما حصحص الحقّ وتجلى نوره بمعجزة موسى التي تحولت فيها عصاه إلى حية حقيقية تسعى وتلقف ما يأفك سحرة فرعون أُسقط في يده وظهر عجزه وخاصة عندما اعترف السحرة أنّ ما جاء به موسى ليس سحراً، فآمنوا بموسى ورسالة ربه. هنا ازداد عناد فرعون واستعلاؤه وحوَّل وسائل المواجهة من المكر والخديعة إلى العنف والقسوة، فقتل السحرة الذين آمنوا، وتبع موسى ومن معه يريد القضاء عليهم، ولكنّ قضاء الله كان أسرع، ومكرَ الله أوسع، فأخذ الله (عز وجل) فرعون بظلمه وكان من الهالكين.

 


10- قارون

 

 

كان قارون من أرحام نبي الله موسى (عليه السلام) وأقاربه، وكان فقيراً لا مال له ولا جاه، ثم تعلّم بعض العلوم واشتغل بها فصار ثريّاً فاحش الثراء؛ حيث امتحنه الله (عز وجل) بالمال الكثير كما عبّرت الآية الكريمة: ﴿وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إنّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾. 
وهذا الغني المترف بدل أن يشكر نعمة الله المتفضِّل عمد إلى كفرانها ونسيان المنعم، ثمّ بغى وعلا حتى على أقرب المقرَّبين وهم أهله وقومه, وفيه قال (تعالى): ﴿إنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾، كذلك لم يستمع لنصائح العلماء الأتقياء من قومه والذين أرشدوه إلى إمكانية الاستفادة من المال الوفير والفرصة التي منحه الله إياها بعمل الخير ومساعدة الناس والبرِّ بهم.
أجاب قارون على مواعظ الواعظين له بصلف وغرور مشبعان بنشوة الترف، فقال كما يحكي القرآن عنه: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي..﴾.
وإمعاناً منه في التعالي والخيلاء خرج قارون إلى الناس باستعراض كبير وأظهر جميع قدرته وقوّته مصطحباً معه خدمه وحشمه وأعوانه وثروته وحرَّاسها.  
ونجح قارون في زرع الفتنة في قلوب الكثيرين من أبناء مجتمعه. قال (تعالى): ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.
أما الصنف الآخر الذين لم تغرّهم تلك الظاهر فحالُهم: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾.
ويحدّثنا الله (سبحانه) عن النتيجة التي واجهها (قارون) بعد عملية الاستعراض لزينته وثروته إذ قال: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴾. 
فلم ينفعه علمه الذي اغتر به، ولا أنصاره ولا أعوانه، ولا ثروته الكبيرة، كلّ ذلك لم يغنِ عنه من عذاب الله شيئاً وكان من الهالكين الخاسرين الذين خسروا الدنيا والآخرة.
 


11- بلعم بن باعوراء

 

 

﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ الأعراف:175.   

إنه رجل من بني إسرائيل يدعى «بلعم ابن باعورا»، جاء في التفاسير أنّه كان من أهل البلقاء وهي بلدة بين الشام ووادي القرى، حباه الله بنعمة كبرى وأعطاه معارف إلهية عظيمة تنير له سبيل العروج إلى الكمال. ويقال بأنّ الله تعالى وهب بلعم علمَ الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب الداعي واستجاب له الدعوة.

ضرب الله تعالى بلعم بن باعورا مثلاً لمن ترك آيات الله وعدل عنها فقال عنه إنه سواء وعظته أم لم تعظه فالأمر سيّان والنتيجة واحدة: إنّه ضالّ في كلّ الأحوال.

وفي قصة هذا الرجل أنّ يوشع ابن نون وصيّ نبي الله موسى عليهما السلام قاد جيشاً كبيراً وقصد به أهل الكفر من الجبارين يسكنون بلداً تسمى البلقاء وكان بينهم رجل مؤمن عابد وهو بلعم ابن باعورا فطلب ملك الجبارين منه أن يدعو على جيش يوشع ليردّه عنهم فلم يقبل في بداية الأمر، ولكنّهم قدّموا له الكثير من المغريات الدنيوية فوافقهم، ثم ركب راحلته وصعد جبلا ليدعو على يوشع وجيشه، وعندما هم بالدعاء اندلع لسانه على صدره وأخرسه الله فلم يقوَ على النطق وانسلخ الاسم الأعظم من قلبه عندما شُغل قلبه بحب الدنيا وعبادة الهوى من دون الله.  

 


12- النمرود بن كنعان

 

 

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) البقرة:258.

هو النمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح، استمر في ملكه أربعمائة سنة وكان قد طغى وبغى وتجبّر وعتى وآثر الحياة الدنيا.

ذكره الله تعالى في القرآن الكريم من خلال سرد قصّته مع النبي إبراهيم عليه السلام حيث دعاه النبي إلى عبادة الله عز وجل فحمله الجهل والضلال وطول الآمال على إنكار الصانع وادّعى لنفسه الربوبية، فلما قال له إبراهيم ربّي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت.

وجاء في المرويات انّ النمرود لمّا قال له إبراهيم عليه السلام إنّ الله يحيي ويميت أتى برجلين ممّن صدر حكم بإعدامهما فأمر بواحد فقُتِل، وأمر بالآخر فأُطلقَ سراحه معتبرا أنه بهذا الفعل قد أحيا وأمات، فلمّا رأى إبراهيم إصراره على الكفر قال له إنّ الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب، وهنا بُهِتَ النمرود بعدما أفحمه نبيّ الله إبراهيم عليه السلام.

ثمّ إنّ الله عز وجل سلّط على نمرود بعوضة دخلت في منخره، فأراد أن يخرجها فدخلت خيشومه، فعذبه الله عز وجل بها أربعين يوماً، ثم مات منها، فقال الله سبحانه: وعزتي وجلالي لا تقوم الساعة حتى آتي بها، يعني الشمس من قبل المغرب، فيعلم من يرى ذلك أني أنا الله قادر على أن أفعل ما شئت.

 


13- هامان

 

 

(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) القصص:5-6.

ورد اسم هامان في القرآن الكريم مرّات عدّة مقترنا بذكر فرعون الذي حكم في زمن نبي الله موسى عليه السلام، وهو رجل ذو شأنٍ كبير في حاشية فرعون وأحد أركان حكمه، حيث إنَّه كان شريكًا له في أفكاره ومساعدًا في تنفيذها.

وقد تعدّدت آراء المفسّرين في كلمة هامان، إن كانت تدلُّ على اسم شخصٍ محدَّدٍ، أم أنّها لقب كان يطلق على وزير الملك أو نائبه، والظّاهر أنّ هامان لقب وزير الملك في مصر في ذلك العصر.

وكان هامان المقصود يتمتّع بنفوذ وسلطة إذ أمره الملك ببناء برج للصعود إلى السماء كي يجمع المعلومات عن إله موسى بزعمه، فأمر بأرض واسعة ليُبنى عليها الصرح أو البرج، وهيّأ خمسين ألف رجل من العمال والمهندسين وآلاف العمال لتأمين الوسائل اللازمة لهذا البناء، وفتح أبواب الخزائن وصرف أموالاً طائلة في هذا السبيل، وأشغل عمّالاً كثيرين حتى إنّه ما من مكان إلّا وتُسمع فيه أصوات أعمال البناء، وكلّما اعتلى الصرح أكثر فأكثر كان الناس يأتون للتفرّج ويتساءلون: وما عسى أن يفعل فرعون بهذا البناء وهذا البرج؟!

وقد ورد في بعض الروايات أنّ هامان قد زاد في ارتفاع الصرح الفرعوني إلى الدرجة التي باتت الرياح الشديدة مانعاً عن الاستمرار بالعمل..

 


14- طالوت

 

 

(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة:247.

بعد سنوات طويلة من وفاة موسى ابن عمران عليه السلام تفرّق بنو إسرائيل شيعاً، وأفسدوا في الأرض، فسلَّط الله تعالى عليهم أعداءهم فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، واستولوا على ديارهم وأموالهم، وكان يعيش بينهم نبيّ منهم اسمه «إشموئيل» جاؤوا إليه بعد أن أنهكهم قهر الأعداء؛ وطلبوا منه أن يُنصِّب لهم ملكاً ليقاتلوا ويسترجعوا حقوقهم المسلوبة.

فاستجاب لهم نبيّهم وقال لهم: لقد اختار الله طالوت لقيادتكم، لكن بني اسرائيل اعترضوا في البداية لأنّهم لم يجدوا في طالوت مواصفات القائد الذي يريدونه حيث إنه في اعتقادهم يجب أن تتوفر فيه بعض المميّزات من حيث نسبه وثروته.

فقال إشموئيل إنّ الله هو الذي اختاره أميراً عليكم، والقيادة تحتاج إلى كفاءة جسمية وروحية وهي متوفرة في طالوت، إلّا أنهم لم يقبلوا بهذا القول، وطلبوا دليلاً على أنّ هذا الاختيار إنما كان من الله سبحانه، فقال اشموئيل: الدليل هو أنّ التابوت - أي صندوق العهد الذي هو أثر مهمّ من آثار أنبياء بني إسرائيل وكان قد فقد منهم - سيعود إليكم يحمله جمع من الملائكة. ولم يمض وقت طويل حتى ظهر الصندوق، وعلى أثر رؤيته وافق بنو إسرائيل على قيادة طالوت لهم، ويحكي القرآن كيف استطاع طالوت بتدبيره أن يصطفي المخلصين من جيشه لقتال الأعداء وكتب الله تعالى لهم حينئذ النصر المؤزر.

 


15- سارة زوجة النبي إبراهيم (عليه السلام)

 

 

(وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) هود:71-72.

هي زوجة إبراهيم الخليل وأمّ النبي إسحاق (عليهما السلام)، اسمها سارة من النساءِ اللواتي أثنى عليهنَّ القرآنُ الكريم.

وبناء على ما ورد في سورتي هود والذاريات فإنّ الملائكة بشّرتها وهي في سن التسعين من عمرها بولد اسمه اسحاق بعدما كانت عاقرا لم تنجب قبل ذلك.

وجاء في المرويات أنّ سارة من قريباتِ إبراهيم عليه السلام وقد آمنتْ بدعوته وهاجرت معه من العراق إلى فلسطين، ومن ثم الى مصر حيث قدَّمَ لها ملك مصر امرأةً لتخدمَها وتكون جارية لها تدعى هاجر، وعندما أحسّتْ سارة بتقدّمِ سنِّها وبلوغها سنّ اليأس ولحبِّها لزوجِها زوَّجتْه من جاريتها لعلَّ الله يرزقه منها غلامًا، فحملت هاجر وولدت لإبراهيم إسماعيل عليهما السلام وأوحى الله إلى إبراهيم ما أوحى، فأخذ هاجرَ وابنَها إسماعيل من فلسطين إلى الحجازِ إلى الوادي غير ذي الزرع، إلى حيث مكة الآن، كما أمره الله  تعالى.

ويروى أنّ سارة قد ماتت بكنعان ولها مئة وسبعة وعشرين سنة فاختار إبراهيم عليه السلام لها في تلك البلدة بقعةً ودفع في ثمنها أربعمئة وخمسين مثقالاً من الذهب وابتاعها ودفنها فيها.

 


16- زيد بن حارثة

 

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (..فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً..) الأحزاب:37.

هو زيد بن حارثة بن شرحبيل، ولد في ديار قومه بني كلب أحد بطون قضاعة، وأمّه تدعى سعدى بنت ثعلبة.

كان قد تعرّض للأسر وهو غلام ابن ثمان سنين فباعه آسروه عبدا في سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمّته خديجة بنت خويلد  رضوان الله تعالى، فلمّا تزوّجها النبي (ص) وسلم وهبته له.

كان النبي (ص) قد تبنّى زيداً، فصار يُعرف بـ"زيد بن محمد"، وكانت له مكانة عالية لدى رسول الله، وشهد العديد من الغزوات من بينها بدر الكبرى، كما بُعث قائدًا على عدد من السرايا..

زوّج النبي (ص) زيداً من الصحابية أمّ أيمن، فولدت له أسامة، ثم زوّجه ابنة عّمته زينب، غير أنّ زواج زيد من الهاشمية لم يدم طويلاً بل انتهى إلى الطلاق.. وقد أمر الله عز وجل نبيه (ص) بالزواج من مطلّقة ابنه بالتبنّي زيد ليجبر خاطرها وليكسر العرف الجاهلي الذي كان يمنع زواج المتبنّي من مطلقة المتبنى أو أرملته، الأمر الذي لأجله نزلت الآية من سورة الأحزاب (..فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً..).

جدير بالذكر أنّه بعد ظهور الإسلام أصبح زيد بن حارثة مسلما مخلصا متفانيا، وأصبح له موقع ممتاز في الإسلام، وكان أحد القادة الثلاثة في غزوة مؤتة والتي نال فيها المقام الرفيع بنيله الشهادة فيها عند عمر الخامسة والخمسين..

 


17- ذي القرنين

 

 

(وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) الكهف: 83-84.

ذكر المفسرون كلاماً كثيرا عن شخصية ذي القرنين الوارد اسمه في القرآن الكريم، إلّا أن أحدث الأقوال في هذا المجال وأكثرها تأييدا من الشواهد التاريخية ما تبنّاه المفكّر الإسلامي (أبو الكلام آزاد)، وطبقاً لهذا الرأي فإنّ ذا القرنين هو نفسه (كورش الكبير) الملك الأخميني الذي عاش حوالى السنة الخمسمئة قبل الميلاد.

أمّا عن انطباق لقب ذي القرنين على الملك كورُش فقيل لأنه وصل في مملكته للشرق والغرب، حيث يعبّر العرب عن ذلك بـ "قرني الشمس". والبعض الآخر يرى بأنه عاش قرنين أو أنّه حكم قرنين، وقول ثالث بأن تاجه الخاص كان يحتوي على قرنين، كما أنّ سيرته في البلدان التي دخلها تتصف بالعدل والتسامح وحب الخير.

وقد دلّ القرآن الكريم أنّ ذا القرنين كانت له خصائص تميز بها، منها أنّ الله عز وجل هيأ له أسباب القوة ومقدّمات الانتصار، وجعلها تحت تصرّفه وفي متناول يده.

وأنّه قد جهّز ثلاثة جيوش لمهمّات ثلاث: الأولى إلى الغرب، والثانية إلى الشرق، والثالثة إلى المنطقة التي تضمّ المضيق الجبلي الذي بنى فيه السدّ.

 


18- آصف بن برخيا

 

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ..) النمل:38-40.

جاء في التفاسير أنّ من وصفته الآية بـ "الذي عنده علم الكتاب" هو (آصف بن برخيا) ابن أخت سليمان النبي عليه السلام ووصيّه، وأنه الذي استطاع بعلمه ذاك أن يحضر عرش بلقيس ملكة سبأ من اليمن إلى فلسطين برمشة عين، في الوقت الذي تقول الآية بأن عفريتا من الجنّ عرض على سليمان أن يأتيه بالعرش في مدة جلوسه للقضاء بين الناس..

وعن سرّ هذه القدرة التي تمتّع بها آصف بحيث أنه تمكّن من هذا الفعل الخارق، فقد قال بعض المفسرين: يُحتمل أن يكون المراد من "علم الكتاب" هو اللوح المحفوظ الذي علّم الله تعالى بعضه ذلك الرجل ولذلك استطاع أن يأتي بعرش ملكة سبأ بطرفة عين، ويحضره عند سليمان، وقال آخرون: إنّ هذا الرجل كان عارفاً بالاسم الأعظم، الذي يخضع له كل شيء، ويمنح حامله قدرة خارقة للعادة! إلا أن ما ينبغي قوله أنّ الاسم الأعظم ليس مفهومه أن يتلفّظ الإنسان بكلمة فيكون وراءها الأثر العجيب، بل المراد منه أن يستوعب الاسم في نفسه وروحه، وأن يتكامل علمه وخلقه وتقواه وإيمانه إلى درجة يكون بها مظهرا من مظاهر ذلك الاسم الأعظم، فهذا التكامل المعنوي والروحاني يوجد في الإنسان مثل هذه القدرة الخارقة للعادة..

 


19- صاحب الجنتين

 

 

(واضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها ولَمْ تَظْلِمْ مِنْه شَيْئاً وفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً * وكانَ لَه ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِه وهُوَ يُحاوِرُه أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وأَعَزُّ نَفَراً * ودَخَلَ جَنَّتَه وهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِه قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِه أَبَداً * وما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً ولَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) الكهف:32 - 36.

هو أحد رجلين أخوين من بني إسرائيل، لم يذكر التاريخ اسمه، ورث وأخوه مبلغا كبيرا من المال، فصنع هو بماله ما ذُكر، وهو بستانان، واشترى عبيداً، وتزوج وأثرى، أما أخوه فأنفق ماله في طاعة الله تعالى حتى افتقر، ثم التقيا، ففخر الغني بما لديه واستعلى على أخيه المؤمن..

وهذا الرجل هو نموذج لمن تطغيه النعمة وتبطره كثرة المال فينسى ربه ويتوهم الخلود في الدنيا، فيتطاول على غيره ممّن هم دونه في الإمكانات المادية، ويتكبر، وتأخذه العزة بالإثم فيصرّح بإنكاره البعث بعد الموت، لكنّ الله عز وجل لهؤلاء بالمرصاد يبيّن لهم بالمحسوس الذي يؤمنون به أنّ ملكهم زائل وأنّ أسباباً غير متوقّعة لديهم كفيلةٌ بنسف كلّ ما بنوه واعتمدوا عليه من دون الله عز وجل، وهذ ما ختمت به الآيات من سورة الكهف (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا).

 


20- الرجل المؤمن الفقير

 

 

(قالَ لَه صاحِبُه وهُوَ يُحاوِرُه أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لكِنَّا هُوَ اللَّه رَبِّي ولا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً * ولَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّه لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا ووَلَداً * فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ ويُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً * مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَه طَلَباً) الكهف:37-41.

إنّه أحد الرجلين من بني إسرائيل ذكره القرآن مخلّدا موقفه الرسالي الذي واجه به كفرَ أخيه المغترّ بالنعمة، البالغ حدّ إنكار المنعم والبعث بعد الموت.. لم يهتمّ القرآن بذكر اسمه ولا بلدته ولا عائلته وإنّما ضربه مثلاً للمؤمن الذي لا تخدعه الدنيا الزائلة ومظاهرها البراقة، ذكرت الآيات منطقه الذي واجه به صاحب الجنّتين فذكّره بضعفه حين كان نطفة لا يُعبأ بها، وكيف عملت يد الخالق المبدع على جعله رجلاً قوي البنية، يتنعّم بما بين يديه من ثروة، كما علّمه هذا الرجل المؤمن أن يستحضر قدرة ربه عندما ينظر إلى زرعه البهيج ونهره المتدفق، وأن يؤمن بمشيئته التي لولاها لما كتب لجنّتيه البقاء..

كذلك يروي القرآن موقف هذا المؤمن حين يشير إلى نفسه بأنّه متمسّك بإيمانه وتوحيده مهما ابتُلي بالفقر والحاجة، وبأنّ اعتقاده راسخ أنّ الله جل وعلا لو أراد له الغنى لفعل.

 

2024-07-29 | 235 قراءة