آيات الأحكام

الحلقة الأولى | اجتنبوا كثيرا من الظن

 

نص الحلقة الأولى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ..) {الحجرات/12}
ينهى مطلع الآية الكريمة من سورة الحجرات عن الظنون السيئة، التي تغلب على الظنون الحسنة بين الناس، لذلك عبّر القرآن عنها ب‍ "الكثير"، وإلّا، فإنّ حُسن الظن لا أنّه غير ممنوع فحسب، بل هو مستحسن، كما يقول عز وجل في سورة النور: (لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا).
وممّا يَلفت النظر أنه قد نُهي عن كثير من الظن بداعي أنّ (بعض الظن إثم)، ولعل السبب في هذا التعليل أنّ الظنون السيئة بعضها مطابق للواقع وبعضها مخالف له، فما خالف الواقع فهو إثم لا محالة، وعلى هذا فيكفي هذا البعض من الظنون الذي يكون إثماً أن نتجنّب سائر الظنون حتى لا نقع في المعصية.
وقد يقول البعض إنّ الظن السيئ قد لا يكون اختياريا حيث يحضر في الذهن نتيجة أمر ما من كلام أو تصرف يقوم به أحدهم، فكيف يصح النهي عنه؟ !
والجواب أولاً: أنّ المراد من هذا النهي هو النهي عن ترتيب الآثار، أي متى ما خطر الظن السيئ في الذهن فلا ينبغي الاعتناء به عملياً، ولا ينبغي تبديل أسلوب التعامل مع المظنون به ولا تغيير الروابط معه. 
وثانياً: يستطيع الإنسان أن يبعد عن نفسه سوء الظن بأن يفكر في طرق الحمل على الصحة، وأن يجسّد في ذهنه الاحتمالات الصحيحة الموجودة في ذلك العمل، وهكذا يتغلّب تدريجاً على سوء الظن! لذلك فقد ورد في الروايات: "ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملاً".

 

 
 

 

الحلقة الثانية | إنما الصدقات للفقراء

 

نص الحلقة الثانية:

(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ، وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا، وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَفِي الرِّقَابِ، وَالْغَارِمِينَ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة:60.
المراد بالصدقات هنا الزكاةُ المفروضة، وتكلّم الفقهاء عن حكمها وشروطها والأعيان التي تجب فيها، والمستحقين لها، وكلام الآية الكريمة عن أصناف المستحقّين للزكاة، وهم ثمانية:
أوّلهم الفُقَراء، والفقير الشرعي هو من لا يملك مؤونة السنة له ولعياله. 
وثانيهم الْمَساكِين. وقيل في الفرق بين الفقير والمسكين أنّ الفقير لا يطلب المعونة المادية، والمسكين هو من يطلبها. 
وثالث المستحقين للزكاة هم العاملون عليها، وهم الجباة المعيّنون للقيام بتحصيل الزكاة وحفظها ثم تأديتها إلى من يقسّمها على المستحقين. وما يأخذه الجباة يعتبر أجراً لهم على عملهم لا صدقة، ولذا تعطى لهم حصّتهم من الزكاة، وان كانوا أغنياء شرعاً.
والفئة الرابعة هم (الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ)، وهم قوم يراد استمالتهم إلى الإسلام، أو الاستعانة بهم فيما يعود بالنفع على الإسلام.
ومن موارد صرف الزكاة ما عبّرت عنه الآية (وفِي الرِّقابِ)، أي إنّ سهما من الزكاة الواجبة يُبذل لفكّ العبيد وتحريرهم من الرق، وهذا ما لم يعد له مصداق اليوم.
أمّا الفئة السادسة فهم (الْغارِمِونَ)، وهم الذين استحقت عليهم ديون عجزوا عن وفائها، فتؤدّى عنهم من الزكاة، بشرط أن لا يكونوا قد صرفوها في الإثم والمعصية.
والسهم السابع بعنوان (فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، وسبيل اللَّه عز وجل كلّ ما يرضيه عز وجل ويتقرب به إليه كائناً ما كان، كشقّ طريق، أو بناء مصحّـ أو معهد، وأفضله الدفاع عن الدين والوطن.
وآخر فئات المستحقين للزكاة (ابْنُ السَّبِيلِ)، وهو المنقطع في سفره عن بلده، فيعطى ما يستعين به على العودة إلى وطنه، وان كان غنياً فيه، بشرط أن لا يكون سفره في معصية.
 

 

 

الحلقة الثالثة | ولله على الناس حِجُّ البيت

 

نص الحلقة الثالثة:

(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) آل عمران:97.
بعد أن استعرض القرآن الكريم فضائل البيت الحرام حيث الكعبة الشريفة وعدّد مزاياه، أمر الناس في هذه الآية بأن يحجّوا إليه، أي يقصدوه لأداء المناسك المقررة في هذه العبادة التي هي إحدى فروع الدين ومعالمه المميزة له. 
ومعلوم أنّ مراسم الحج هذه قد سُنّت وأسّست منذ عهد إبراهيم عليه السلام ثم استمرّت حتى العهد الجاهلي حيث كان العرب يمارسونها ويؤدّونها، ولكنّها شُرعت في الإسلام في صورة أكمل، وكيفية خالية عن الخرافات التي لصقت بها من عبدة الأصنام، ولكن المستفاد من الأحاديث والروايات أنّ فريضة الحج شّرعت أول مرة في زمن آدم عليه السلام، إلا أن اتخاذها الصفة الرسمية يرتبط بزمن الخليل عليه السلام.
وقد أجمع المسلمون أنّ الحج يجب على كل إنسان مستطيع في العمر مرة واحدة، والشرط الوحيد الذي ذكرته الآية لوجوب الحج هو "الاستطاعة" المعبّر عنها بقوله سبحانه (من استطاع إليه سبيلا).
وقد فسّرت الاستطاعة في الأحاديث الإسلامية والكتب الفقهية ب‍ "الزاد والراحلة" أي الإمكانية المالية لنفقات سفر الحج ذهابا وإيابا، والقدرة الجسدية، والتمكّن من الإنفاق على نفسه وعائلته بعد العودة من الحج..
وللتأكيد على أهمية الحج قال سبحانه في ذيل الآية (ومن كفر فإنّ الله غنيّ عن العالمين) أي إنّ الذين يتجاهلون هذا النداء، ويتنكّرون لهذه الفريضة، ويخالفونها لا يضرّون بذلك إلا أنفسهم لأنّ الله غني عن العالمين، فلا يصيبه شئ بسبب إعراضهم ونكرانهم وتركهم لهذه الفريضة.
والكفر يعني في الأصل السَّتر والإخفاء، وفي المصطلح الديني يعني كل مخالفة للحق، وكل جحد وعصيان سواء في الاعتقاد، أو في العمل، فإن كان كثر استعمال مصطلح  الكفر في المخالفة الاعتقادية إلا أن المعنى الآخر وهو المخالفة في العمل هو المقصود في هذه الآية.

 

 

 

الحلقة الرابعة | فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ

 

نص الحلقة الرابعة: 

(وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة:280.
تبيّن الآية الكريمة من سورة البقرة حقّاً من حقوق المَدين إذا كان عاجزاً عن أداء دينه، ففضلاً عن عدم جواز ممارسة الضغوط عليه، فإنّ المطلوب إمهاله مزيداً من الوقت لتسديد دينه عند القدرة والاستطاعة.
التشريع الإسلامي انطلاقاً من هذه الآية يمنع الدائن من الاستيلاء على دار المدين وأمتعته الضرورية اللازمة لقاء دَينه، وهذا قانون صريح وإنساني يحمي حقوق الطبقات الفقيرة في المجتمع.
ثم تقول الآية للدائنين أنّ الأفضل من كل ما سبق بشأن المدين العاجز عن الدفع هو أن يخطو الدائن خطوة إنسانية كبيرة فيتنازل للمدين عما بقي له بذمته، فهذا خير عمل إنساني يقوم به، فلا شك أنّ إبراء المعسر من الدين فضيلة، بل ومن أعظم الطاعات، لأن فيه تنفيساً لكربته، وقضاء لحاجته، وقد جاء في الحديث: «من أنظر معسراً أو وضع عنه، أظلَّه اللَّه تحت ظله يوم لا ظل الا ظله». واتفق الفقهاء كلمة واحدة على أنّ من استدان في غير معصية، ثم عجز عن الوفاء تُسدّد ديونه من بيت المال، وهو المسمّى بالغارم، قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام فيما روي عنه: «من طلب هذا الرزق من حلّه، ليعود به على نفسه، وعلى عياله كان كالمجاهد في سبيل اللَّه، فإن غلب عليه، فليستدن على اللَّه، وعلى رسوله ما يقوت به عياله». ومعنى فليستدن على اللَّه ورسوله أنّ دينه يسدّد من بيت المال الذي يجب صرفه في هكذا موارد.
 

 
 

 

الحلقة الخامسة | إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ

 

نص الحلقة الخامسة: 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( 90 ) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ( 91 ) المائدة
بعد آيات عدّة نزلت في التنفير من الخمر، جاءت هاتان الآيتان حاسمة في تحريمه وأمور أخرى منها الميسر أي القمار.. وقد اعتبرت الآية الأولى هذه الأمور القبيحة رجساً من عمل الشيطان، لتأتي الآية التالية مبيّنة علّة هذا التحريم وهو إيقاع العداوة والبغضاء بين متعاطي الخمر والميسر، والإبعاد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة التي هي عمود الدين ومعراج المؤمنين.  
وقد جاء التعبير عن تحريم هذا الرجس بلفظ (فاجتنبوه)، حيث الاجتناب هو أشد مراتب النهي، فهو يعني الابتعاد والانفصال وعدم الإقتراب، من هنا لم يقتصر التحريم في الخمر على مجرد تعاطيه بالشرب أو إضافته لما يؤكل وإنما جاء في الروايات تحريم كلّ ما يتّصل بهذه الآفة، من غرس نبتة العتب أو التمر بنية صناعة نتاجها خمراً وصولاً إلى المتاجرة بها، وما بين ذلك من وجوه المعاملة، ومشهورة تلك الرواية التي يرويها المسلمون جميعاً عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: (لعن الله الخمر، وعاصرها، وغارسها، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها، وحاملها، والمحمولة إليه)، وفي بعض الأخبار: أنّ ما من شريعة سماوية إلا ونهت عن الخمر.
وقد أجمع المسلمون منذ الصدر الأول إلى اليوم على أنّ الخمر من الكبائر، وأنّ من استحلّها فليس بمسلم، ومن ارتكبها متهاوناً فهو فاسق، ويُحدّ بثمانين جلدة عقابا له وردعاً لغيره.
 

 

 

الحلقة السادسة | وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

نص الحلقة السادسة: 

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران:104.
تتضمن الآية من سورة آل عمران تأكيداً آخر يضاف إلى تأكيدات عدة في القرآن الكريم للقيام بفريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. 
و(الأمّة) كل جماعة يجمعهم أمر معيّن؛ إما دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد، لهذا لا تطلق لفظة الأمة على الأفراد المتفرّقين، والأشخاص الذين لا يربطهم رباط واحد.
ويظهر من جملة (منكم أمة) هو جماعة من المسلمين لا كافة المسلمين، وبهذا لا يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً عاماً، بل وظيفة دينية تختص بفريق من المسلمين.. لكن بالجمع بين هذه الآية وآيات أخرى كقوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..) يستفاد أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مرحلتان: مرحلة فردية جب فيها على كلّ واحد القيام بها بمفرده، ومرحلة جماعية وهي التي تعتبر من مسؤولية الأمة بما هي أمة.
إنّ وجود هذين النوعين من مكافحة الفساد، والدعوة إلى الحقّ يعتبران من أهم التعاليم التي تميّز القوانين الإسلامية، كما ويكشف عن سياسة تقسيم الواجبات والوظائف وتوزيع الأدوار في الدولة الإسلامية، وعن لزوم تأسيس فريق المراقبة للنظارة على الأوضاع الاجتماعية والمؤسسات المختلفة في النظام الإسلامي.
وبالإضافة إلى الآيات القرآنية في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هناك روايات كثيرة تتحدّث عن أهمّية هاتين الفريضتين الاجتماعيتين الكبيرتين، وتشير إلى العواقب الخطيرة المترتبة على تركهما، ومن تلك الروايات ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: «إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتَحِلّ المكاسب، وتُرَدّ المظالم، وتعمر الأرض، ويُنتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر».

 

 

 

الحلقة السابعة | إذا قمتم إلى الصلاة

 

نص الحلقة السابعة: 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ..). {المائدة/6}
هذا المقطع من الآية الكريمة في سورة المائدة يصف مجمل عملية الوضوء التي هي من مقدّمات الصلاة، وتكفّلت السنة الشريفة ببيان تفصيلها كالتالي: 
يجب بعد نية الامتثال الأمر الإلهي غَسل الوجه بالماء المطلق الطاهر المباح، طولاً من منابت الشعر على الجبهة حتى منتهى الذقن. وعرضاً ما يقع من الوجه بين الأصبع الوسطى والإبهام.
ويجب غسل اليدين إلى المرفقين، وقد جاء التصريح بالمرفقين في الآية لكي لا يُتوهّم بأن الغَسل المطلوب هو للرسغين كما هو العادة في غسل الأيدي. 
وقد شرحت الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام أسلوب غسل اليدين وفق سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو البدء بها من أعلى المرفق حتى أطراف الأصابع. 
وأما مسح الرأس فالمقصود به مسح بعض الرأس من مقدّمه برطوبة اليد. يلي ذلك مسح الرجلين بواسطة اليدين.
ويُقصد بالكعبين - اللذين ينتهي عندهما مسح الرجلين - المفصل الذي يربط مشط الرجل بالساق.. 
اما بالنسبة لفلسفة عبادة الوضوء فإنّ لها فائدتين واضحتين:
إحداهما صحيّة، والأخرى أخلاقية معنوية، فغَسل الوجه واليدين في اليوم خمس مرات، أو على الأقل ثلاث مرات، لا يخفى أثره في نظافة الإنسان وصحّته. والفائدة الأخلاقية المعنوية فهي الأثر التربويّ الذي يخلّفه قصد التقرب إلى الله تعالى في نفس الإنسان حين يعقد النية للوضوء.
جاء في الرواية عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام قوله: "إنّما أُمر بالوضوء وبُدئ به لأن يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته إياه، مطيعاً له فيما أمره، نقياً من الأدناس والنجاسة، مع ما فيه من ذهاب الكسل، وطرد النعاس، وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار".
 

 

 

الحلقة الثامنة | فول وجهك شطر المسجد الحرام

 

نص الحلقة الثامنة: 

(قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ..) البقرة:144.
الخطاب في الآية الكريمة موجّه للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ولنزوله مناسبة تحدث عنها الإمام جعفر الصادق عليه السلام في رواية عنه حيث يقول: «تحوّلت القبلة إلى الكعبة بعدما صلّى النبي صلى الله عليه وآله بمكة ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدس، وبعد مهاجرته إلى المدينة صلّى إلى بيت المقدس سبعة أشهر، ثم وجّهه اللَّه إلى الكعبة، وذلك أنّ اليهود كانوا يعيّرون رسول اللَّه ويقولون له: أنت تابع لنا، تصلّي إلى قبلتنا. فاغتمّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من ذلك غمًّا شديداً، وخرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء، ينتظر من اللَّه تعالى أمراً في ذلك، فلمّا أصبح وحضر وقت الظهر كان في مسجد بني سالم، وصلّى فيه من الظهر ركعتين، فنزل عليه جبريل فأخذ بعضديه وحوّله إلى الكعبة، وأنزل عليه: (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) فصلى ركعتين إلى بيت المقدس، وركعتين إلى الكعبة».
وعلى ذلك فإنّ على المسلمين أينما كانوا في بحر أو برّ أو سهل أو جبل في الشرق أو في الغرب أن يستقبلوا المسجد الحرام في صلاتهم. 
ومن هنا سوف يختلف اتجاه قبلة المسلمين باختلاف البلدان، فقد تكون بالنسبة إلى أهل بلد في الغرب، والى غيرهم في الشرق وهكذا..  
واستقبال القبلة واجب في الصلاة اليومية، وفي ركعات الاحتياط، والأجزاء المنسية من الصلاة، وسجدتي السهو، ولكل صلاة واجبة بما في ذلك ركعتا الطواف، والصلاة على الميت، أمّا الصلاة المستحبة فيجب الاستقبال بها حال الاستقرار، ولا يجب حال المشي والركوب.
 

 

 

الحلقة التاسعة | الطلاق مرتان

 

نص الحلقة التاسعة:

(الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ..) البقرة:229.
كان للعرب في الجاهلية طلاق وعدّة مقدرة للمطلقة، ورجعة للمطلِّق أثناء العدة، ولكن لم يكن للطلاق عدد معين، فربّما طلّق الرجل امرأته مائة مرة وراجعها، وتكون المرأة بذلك ألعوبة بيد الرجل يضارّها بالطلاق والرجوع متى شاء . . وجاء في بعض الروايات أنّ رجلاً قال لامرأته: لا أقربك أبدا، ومع ذلك تبقين في عصمتي، ولا تستطيعين الزواج من غيري . . قالت له: وكيف ذلك؟ قال: أطلقك، حتى إذا قرب انقضاء العدّة راجعتك، ثم طلقتك، وهكذا أبداً. فشكته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأنزل اللَّه سبحانه: (الطلاق مرتان)، أي إنّ الطلاق الذي شرّع اللَّه فيه الرجوع للمطلِّق هو الطلاق الأول والثاني فقط، أمّا الطلاق الثالث فلا يحلّ الرجوع بعده، حتى تنكح المطلقة زوجاً غير المطلِّق، كما في قوله عز وجل: (فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعدُ حتى تنكح زوجاً غيره)..
أما قوله عز وجل: ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) فالمعنى: إذا طلّق الرجل زوجته للمرة الثانية فهو مخيّر بين أحد أمرين ما دامت في العدّة: 
الأمر الأول: أن يرجعها إلى عصمته بقصد الإصلاح وحُسن المعشر، وهذا هو الإمساك بمعروف.
والأمر الثاني: أن يدعها وشأنها حتى تنقضيَ عدّتها، على أن يؤدّي إليها ما لها عليه من حقّ مالي، ولا يذكرها بعد المفارقة بسوء، ولا يُنَفّر منها من أراد الزواج بها بعد انقضاء العدة، وهذا هو التسريح بإحسان.
فكما أنّ الصلح والرجوع إلى الزوجة يجب أن يكون بالمعروف والإحسان والمودة، فكذلك الانفصال النهائي يجب أن يكون مشفوعا بالإحسان أيضاً، ولهذا تضيف الآية الشريفة (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا). فعلى هذا الأساس لا يستطيع الزوج عند الانفصال النهائي أن يأخذ ما أعطاها من مهرها شيئاً، وهذا المعنى أحد مصاديق التسريح بإحسان.
 

 
 

 

الحلقة العاشرة | القصر في الصلاة

 

نص الحلقة العاشرة: 

(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا..) النساء: 101.
الضرب في الأرض هو السفر، والقصر من الصلاة تخفيفها بأن تصبح الصلاة الرباعية ثنائية.. والآية تشرّع القصر حال الخوف من الأعداء، لكن الفقهاء أفتوا بسريان هذا الحكم في كلّ الأسفار الشرعية بناء على روايات في هذا الخصوص..   
وقد يقال إنّ الآية أتت في تشريع الحكم بعبارة (لا جناح عليكم) وليس في هذه العبارة ما يحتّم على المسافر أن يقصر صلاته، بل ظاهرها أنه مخير في ذلك، فكيف صار الحكم واجبا؟
وفي الجواب: إنّ عبارة "لا جناح عليكم"، التي تعني: لا ذنب عليكم، قد استُخدمت في بعض الموارد في القرآن الكريم للدلالة على الوجوب، كما في قوله تعالى: (إنّ الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يَطّوّف بهما)، حيث إنّ جميع المسلمين يعرفون أنّ السعي بين الصفا والمروة واجب في الحج وفي العمرة، فقد كان بعض المسلمين في بدء الإسلام، ولوجود أصنام على جبلي الصفا والمروة، يظنون أنّ السعي بينهما من عادات الوثنيين، فجاءت عبارة "لا جناح" في الآية لرفع الوهم الحاصل.
وكذلك في حالة المسافر، فمن الممكن أن يتوهّم البعض أن قصر الصلاة في السفر يعتبر نوعاً من المعصية، فجاء القرآن الكريم في الآية بعبارة "لا جناح" لرفع هذا الوهم أيضا.
كما يجب التنبيه إلى أنّ شروط صلاة المسافر لم ترد في القرآن، بل أشارت إلى ذلك السنة الشريفة.
ومن هذه الشروط أن صلاة القصر لا تجب في الأسفار التي لا تبلغ المسافة فيها ثمانية فراسخ. ومنها: أنّ المسافر الذي يتّخذ من السفر حرفة لنفسه أو جزءاً من برنامج حياته اليومية مستثنى من القصر في الصلاة. 
كما أنّ من يسافر من أجل ارتكاب معصية، لا يكون مشمولا لحكم صلاة المسافر، فلا يجوز له القصر في الصلاة.
 

 

 

الحلقة الحادية عشر | إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ

 

نص الحلقة الحادية عشر:

(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) البقرة: 180.
تذكر الآية المباركة من سورة البقرة تشريعَ الوصية باعتباره جزءاً من النظام المالي في الإسلام، وبما أنّها استهلّت بتعبير (كُتب عليكم) الذي يدلّ على الوجوب، فقد أفتى الفقهاء بوجوب الوصية لمن كانت عليه واجبات أو حقوق للخالق جل وعلا أو للمخلوقين وكانت قد ظهرت عليه أمارات الموت ولم يستطع أداء تلك الواجبات أو تسليم تلك الحقوق بنفسه، أما في سائر الحالات فالوصية مستحبّة.
واللافت في الآية الكريمة أنها عبرت عن المال بكلمة «خير» فقالت: (إن ترك خيرا)، وهذا يعني أن الإسلام يعتبر الثروة المستحصلة عن طريق مشروع، والمستخدمة على طريق تحقيق منافع المجتمع ومصالحه خيراً وبركة. 
ويستفاد من بعض الروايات أنّ تعبير «خيرا» يراد به الأموال الموفورة، لأن المال اليسير لا يحتاج إلى وصية، ويستطيع الورثة أن يقسّموه بينهم حسب قانون الإرث. 
ولا ينبغي للمسلم المؤمن أن يتشاءم من كتابة الوصية، فكتابتها لا تعني أبدا تقريب أجل الإنسان،  بل هي دليل على بُعد النظر والحرص على إبراء الذمة فيما لو فاجأ الموت الإنسان.
ثم إنّ تقييد الوصية «بالمعروف» إشارة إلى أنها ينبغي أن تكون موافقة للعقل في مقدارها وفي نسبة توزيعها، دون أن يكون فيها تمييز، ودون أن تؤدي إلى نزاع وانحراف عن أصول الحق والعدالة.
النصوص الإسلامية أكدت على ضرورة الوصية كثيراً، من ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه». والمقصود بوضع الوصية تحت الرأس إعدادها وتهيئتها.
 

 

 

الحلقة الثانية عشر | إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ

 

نص  الحلقة الثانية عشر:

(إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ، وَالدَّمَ، وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) البقرة:173. 
تذكر الآية ثلاثة أنواع من اللحوم المحرّمة إضافة إلى الدم، وهي من أكثر المحرمات انتشاراً في زمن نزول القرآن، في بعضها خبث ظاهر لا يخفى على أحد كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، وفي بعضها خبث معنوي كالتي ذُبحت من أجل الأصنام.
ولمّا كانت بعض الضرورات تدفع الإنسان إلى تناول الأطعمة المحرمة حفظا لحياته، فقد استثنت الآية هذه الحالة، لكنّها أكّدت على كون المضطر غير طالب للذة بأكلها، وغير متجاوز لحدّ الضرورة في ذلك.
الأغذية المحرمة التي ذكرتها الآية الكريمة كسائر المحرمات الإلهية لها فلسفتها الخاصة، وقد شرّعت انطلاقا من خصائص الإنسان جسميا وروحيا، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: «...أما الميتة فإنه لم ينل منها أحد إلا ضعف بدنه، وذهبت قوته، وانقطع نسله، ولا يموت آكل الميتة إلا فجأة».
وبخصوص تناول الدم فقد ورد عنه عليه السلام: «أما الدم فإنه يورث القسوة في القلب، وقلة الرأفة والرحمة، حتى لا يؤمَن أن يقتل ولده ووالديه ولا يؤمن على حميمه ولا يؤمن على من يصحبه».
ورابع المحرمات في الآية هو (ما أهلّ به لغير الله)، وهي الحيوانات التي تذبح على غير اسم الله، كالتي كانت تقدّم للأصنام في الجاهلية.
وتحريم لحوم هذه الحيوانات لا يلزم بالضرورة أن تكون لها أضرار صحية لان المحرمات في الاسلام لها أبعاد مختلفة، فهذه اللحوم تبعد الإنسان عن الله، ولها تأثير نفسي وتربوي سلبي على الآكل، لأنها من سنن الشرك والوثنية وتعيد إلى الذهن تلك التقاليد الخرافية.
 

 

 

الحلقة الثالثة عشر | أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

 

نص الحلقة الثالثة عشر: 

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ..).  
هي الآية الأولى من سورة المائدة، السورة التي نزلت في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤكّدة مجموعة من المفاهيم الإسلامية، منها قضية قيادة الأمة وخلافة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد يكون هذا هو السبب في استهلالها بضرورة الإلتزام بالوفاء بالعهد والميثاق.
و«عقود» جمع «عقد» وهو شدّ أطراف شيئ معيّن بآخر شدّاً محكماً، ومن هنا عُبّر عن ربط طرفي الحبل أو شدّ حبلين ببعضهما بالعقد. لكن الآية تنتقل من هذا المعنى المحسوس إلى المفهوم المعنوي فتسمّي كلّ عهد أو ميثاق عقداً.
ولأن الآية لم تبيّن أيّ نوع من العقود هو المقصود لذلك تعتبر دليلاً على وجوب الوفاء بجميع العهود التي تعقد بين أفراد البشر بعضهم مع البعض الآخر، أو تلك العهود التي تعقد مع الله سبحانه وتعالى عقداً محكماً.
وتجدر الإشارة إلى أن لزوم الوفاء بالعهد يبقى سارياً ما دام لم يقم أحد من المتعاقدين بنقض العهد، ولو نقض أحد الطرفين العقد لم يكن الطرف الثاني عند ذلك ملزما بالوفاء بالعهد إذ يخرج العهد بهذا النقض من حقيقة العهد والميثاق.
ثمّ إنّ قضية الوفاء بالعهد والميثاق التي تطرحها الآية تعتبر واحدا من أهم مستلزمات الحياة الاجتماعية، إذا بدونها لا يتمّ أي نوع من التعاون والتكافل الاجتماعي، وإذا فقد نوع البشر هذه الخصلة فقدوا بذلك حياتهم الاجتماعية السليمة، بسبب شيوع الفوضى وعموم الاضطراب وزوال الثقة العامة بين الناس.
 

 
 

 

الحلقة الرابعة عشر | فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ

 

نص الحلقة الرابعة عشر: 

(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) النحل:98. 
تبيّن الآية واحدة من طرق الاستفادة من القرآن الكريم وهي الاستعاذة عند قراءته. وليس المقصود من الإستعاذة الذكر الخاص فحسب بل ينبغي لها أن تكون مقدّمة لتحقيق الحالة الروحية المطلوبة وهي التوجّه إلى الله عز وجل، والتخلّي عن هوى النفس المانع للفهم والإدراك الصحيح لما يتلوه القارئ من آيات.
فإنّ لم تتحقق للإنسان هذه الحالة فسيتعذر عليه ملامسة الحقائق القرآنية، وربما سيجعل من القرآن وسيلة لتبرير آرائه ورغباته وقناعاته وهو المعبَّر عنه بـ«التفسير بالرأي» المنهي عنه في الروايات الشريفة.
وتأتي الآية التالية لتبيّن عجز الشيطان عن التأثير على المؤمنين الحقيقيين المتوكلين على الله سبحانه وتعالى الواثقين من تدبيره لهم ولشؤونهم: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
ويلاحظ أن القرآن في هذ المورد قد وصف الشيطان بـ«الرجيم» الصفة التي تعني أنه مطرود من رحمة الله تعالى، وذلك للتذكير بتكبّره على أمر الله له بالسجود والخضوع لآدم، حتى سوّلت له نفسه أن يعتقد بأفضليته عليه بدليل افترضه، حين قال: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين).
وكأنّ القرآن الكريم يريد أن يفهمنا باستخدامه صفة «الرجيم» ضرورة الاحتياط والحذر من الوقوع في حالة التكبّر والغرور والتعصب عند تلاوة آيات الله الحكيم، لكي لا نقع بما وقع به الشيطان من قبل، فنطرد من رحمة الله ونهوي في وادي الكفر بدلاً من إدراك الحقائق القرآنية السامية.
أمّا عن الصيغة التي يستعاذ بها من الشيطان حين التلاوة فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: «قل: أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم». وفي رواية أخرى يقول: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بالله أن يحضرون».
 

 

 

الحلقة الخامسة عشر | فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ

 

نص الحلقة الخامسة عشر: 

وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ..) الانفال:41.
نزلت الآية الكريمة تبيّن قسمة غنائم الحرب، لكن الفقهاء استفادوا من شمول عنوان الغنيمة لما يكسبه المرء من المال، ومن الروايات الشريفة ليفتوا بوجوب الخمس لأنواع أخرى من المكاسب.. 
وممّا قالوه بهذا الخصوص إنّ الغنيمة تشمل بالإضافة إلى غنيمة الحرب؛ المعدنَ المستخرجَ من الأرض، والكنزَ المدفون تحت الأرض إذا لم يُعرف له صاحب، وما يخرجه الإنسان من البحر بالغوص كاللؤلؤ، وما يفضل عن مؤنة الإنسان وعياله مما اكتسبه في سنته، كما قالوا إنّ الخمس يتعلق بالمال الذي فيه حلال وحرام، ولا يعلم مقدار الحرام فيه، وموارد أخرى..
ومال الخمس يقسم قسمين، الأول منهما ثلاثة أسهم: سهم للَّه تعالى، وسهم لرسوله صلى الله عليه وآله، وسهم لذوي القربى. وما كان للَّه فهو للرسول، وما كان للرسول فهو لقرابته، ووليّ القرابة بعد النبي هو الإمام المعصوم القائم مقام النبي، فان وُجد أعطي له، وإلّا وجب إنفاقه في المصالح الدينية، وأهمها الدعوة إلى الإسلام، والعمل على نشره وإعزازه وهذا القسم هو المسمى بسهم الإمام عليه السلام. أما القسم الثاني فهو ثلاثة أسهم أيضاً: سهم لأيتام آل محمد صلى الله عليه وآله، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء السبيل منهم خاصّة، لا يشاركهم أحد في ذلك، لأنّ اللَّه حرم عليهم الصدقات فعوّضهم عنها بالخمس. وهذا القسم هو المعروف بسهم السادة. 
فعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «إنّ الله تعالى لمّا حرم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام والخمس لنا حلال».
 

 

 

الحلقة السادسة عشر | فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ

 

نص الحلقة السادسة عشر: 

(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) النساء:140.
 نقل عن ابن عباس أن نفراً من المنافقين كانوا يحضرون اجتماعات لعلماء اليهود، حيث كانوا يستهزئون بآيات القرآن في تلك الاجتماعات، فنزلت هذه الآية وأوضحت العاقبة السيئة لهذه اللقاءات.
والمستفاد من الآية الكريمة أنّ المشاركة في مجالس المعصية تكون بمثابة المشاركة في ارتكاب المعصية، حتى لو بقي المشارك ساكتا أو ساكنا ولم يشارك في الاستهزاء بنفسه، لأنّ السكوت في مثل هذه الأحوال دليل على رضا صاحبه بالذنب المرتكب.
كذلك، فلو تعذر النهي عن المنكر بالشكل الإيجابي له بأن يعبر عن اعتراضه على ما يقال أو يفعل، فلا بد من أن يتحقق النهي ولو بالصورة السلبية، مثل أن يبتعد الإنسان عن مجالس المعصية ويتجنب الحضور فيها وإلّا فإن الذين يشجّعون أهل المعاصي بسكوتهم وحضورهم في مجالسهم سيجازون ويعاقبون بمثل عقاب العاصين أنفسهم.
كما يستفاد من الآية أن لا مانع من مجالسة غير المؤمنين ما لم يدخلوا في حديث فيه استهزاء وكفر بالآيات الإلهية، ولم تكن هذه المجالسة تحمل مفسدة أخرى، ويدل على هذه الرخصة قوله تعالى: (حتى يخوضوا في حديث غيره).
وأخيراً فإن مجاملة أهل المعاصي ومداهنتهم، إنّما تدل على وجود روح النفاق لدى الشخص المجامل، وذلك لأن المسلم الحقيقي الواقعي لا يمكنه أن يشارك في مجلس يعصى فيه الله ويستهزأ بآياته الكريمة وأحكامه السامية دون أن يبدي إعتراضا على هذه المعاصي، أو - على الأقل – يعبّر عن عدم رضاه عليها بترك هذا المجلس.
 

 
 

 

الحلقة السابعة عشر | وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ

 

نص الحلقة السابعة عشر:

(وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) النساء:86.
التحية مشتقة من الحياة وتعني الدعاء لدوام حياة الآخرين، سواء كانت التحية بصيغة «السلام عليكم» أو «حيّاك الله» أو ما شاكلهما من صيغ التحية والسلام، ومهما تنوّعت صيغ التحية بين مختلف الأقوام تكون صيغة «السلام» هي التعبير الأوضح من كل تلك التحيات، وقد دلت آيات قرآنية على أن السلام هو تحية أهل الجنة، حيث يقول سبحانه: (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقّون فيها تحية وسلاما) ويقول عز وجل: (تحيتهم فيها سلام).
ولكن بعض الروايات والتفاسير تفيد أنّ مفهوم التحية يشمل كذلك التعامل الودّي العملي بين الناس، فقد وروي أنّ جارية أهدت إلى الإمام الحسن عليه السلام باقة من الورد فأعتقها، وحين سئل عن ذلك استشهد بقوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها).
هذا وقد استدل الفقهاء بهذه الآية على وجوب ردّ السلام، إمّا بالمثل، أي أن تعيد تحية من حياك بالحرف دون زيادة أو نقصان، وأمّا أن تزيد عليها «ورحمة اللَّه» وأمثالها. والردّ فرضٌ عينيّ إذا وجّهت التحية إلى شخص معيّن فعليه أن يردّها، وفرض كفايةٌ إذا وجّهت إلى جماعة، إن قام به البعض سقط عن الباقين. 
ومما جاء في المرويات في شأن التحية: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إذا تلاقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح، وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار». وعنه صلى الله عليه وآله: «إنّ من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام».
وعن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ من تمام التحية للمقيم المصافحة، وتمام التسليم على المسافر المعانقة».
 

 
 

 

الحلقة الثامنة عشر | وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ

 

نص الحلقة الثامنة عشر:

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (النور:5).
«الرمي» في الأصل هو اطلاق السهم، أو قذف الحجر وأمثالهما، وقد استخدمت الكلمة هنا كناية عن اتهام الأشخاص بما لا يليق، لأنّ هذه الكلمات كالسهم يصيب الشخص ويجرحه. وبحسب السياق الذي وردت في الآية فإنّ المراد بالرمي هنا اتهام النساء العفيفات بفاحشة، فهولاء المدّعون هذا الإدّعاء الخطير جزاؤهم العقاب الدنيوي ما لم يأتوا بأربعة شهداء لإثبات مدّعاهم.. وواضح أن هذا الحكم الإلهي يقطع دابر المستغلّين والمفترين، ويمنع من إشاعة الفاحشة في المجتمع الإسلامي..
أما عقوبة هؤلاء الذين يتهمون النساء العفيفات بعمل ينافي العفّة (أي الزنا)، ولم يأتوا بأربعة شهود عدول لاثبات ادّعائهم، فحكمهم أن يُجلدوا ثمانين جلدة وأن لا تُقبل لهم شهادة لأنهم محكومون بالفسق.
ولكن المولى العزيز الحكيم سبحانه وتعالى لا يسدّ باب رحمته في وجه التائبين، الذين تابوا من ذنوبهم وطهروا أنفسهم، وندموا على ما فرّطوا، وسعوا في تعويض ما فاتهم من البر. 
ومعلوم أنّ شاهدين عادلين يكفيان - في الشريعة الإسلامية – لإثبات حقّ، أو ذنب اقترفه شخص ما، حتى وإن كان قتل النفس. أما في إثبات الزنا فقد اشترط الله تعالى أربعة شهود. وقد يكون ذلك لأن الناس يتعجّلون الحكم في هذه المسألة، ويتطاولون بإلصاق تهمة الزنا بمجرد الشكّ، ولهذا شدّد الإسلام في هذا المجال ليحفظ حرمات الناس وشرفهم. 
إضافة إلى أنّ قتل النفس ذو طرف واحد في الدعوى، أي إنّ المجرم واحد، أمّا الزنا فذو طرفين، حيث يثبت الذنب على شخصين أو يُنفى عنهما، فإذا كان المخصص لكلّ طرف شاهدين، فيكون المجموع أربعة شهود.
 

 

 

الحلقة التاسعة عشر | يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ

 

نص الحلقة التاسعة عشر:

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الأحزاب:59.
الجلابيب جمع جلباب، وفي معناه أقوال: منها أنّه رداء يغطّي المرأة من رأسها إلى قدميها، ومنها أنّه الخمار الذي يغطّي رأسها ووجهها. 
وقد مرّت في المصحف الشريف قبل هذه الآية آيتان تدلّان على وجوب الحجاب على النساء، الأولى قوله تعالى: (..وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ..) معدّدة سائر من يحلّ لها أن تُظهر محاسنها وزينتها أمامهم من الرجال. والثانية قوله تعالى: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب) وهذه وإن كانت تتحدث عن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنه استفيد منها وجوب ستر المرأة بدنها عن الأجانب، والآية موضوع البحث أوضح من الآيتين في وجوب الحجاب، فإنّ قوله تعالى: (يدنين عليهن من جلابيبهن) عامّ يشمل الستر والحجاب لجميع أجزاء البدن بما فيه الرأس والوجه، ويؤيد هذا الشمول قوله سبحانه: (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)، فقد كانت المسلمات في أوّل الإسلام يخرجن من بيوتهن سافرات متبذّلات على عادة الجاهلية، فطلب سبحانه من نبيّه الكريم في هذه الآية أن يأمرهن بالستر والحجاب الكاملين، وقد خرج من هذا العموم الوجه والكفان لقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) فقد سئل الإمام الصادق عليه السلام عمّا تُظهر المرأة من زينتها فقال: «الوجه والكفين». 
وممّا لا شك فيه أنّ الحجاب يحجز بين النساء المتحجبات وبين طمع أهل الفسق والريب، (فلا يؤذين) بالمعاكسات والنظرات الفاسقة..
 

 

 

الحلقة العشرون | وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ

 

نص الحلقة العشرون:

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (المطففين:5).
تقرر هذه الآيات في بداية سورة المطففين المباركة حرمة التلاعب بالكيل والوزن في البيع والشراء وذلك بأسلوب التهديد الشديد والوعيد بالويل الذي يعني العذاب في نار جهنم...
ثم تشير إلى طريقة عمل هؤلاء المطففين فتقول: إنّ هؤلاء يأخذون حقهم كاملا عند الشراء، وينقصون من حق الآخرين عند البيع. 
واللافت أنه قد جاء ذكر (الكيل) في الآيات عند حالة الشراء، وذكر (الكيل) و (الوزن) عند حالة البيع، وربما يرجع ذلك لأحد سببين:
الأول: أنه كان التجار الكبار في تلك الأزمان يستعملون (المكيال) عند شرائهم للكميات الكبيرة من المواد، لعدم توفر ميزان يستوعب تلك المواد الكثيرة. وفي حالة البيع كانوا يكيلون لبيع الجملة، ويزنون لبيع المفرد.
والاحتمل الثاني: أنهم كانوا يفضّلون استعمال المكيال عند الشراء لصعوبة الغش فيه فيضمنون حقهم، وعند البيع يستعملون الميزان البيع لسهولة الغش فيه.
ومما ينبغي الالتفات إليه أنّ الآيات وإن تحدثت عن التطفيف في الكيل والوزن، ولكن، لا ينبغي حصر مفهومها بهما، فالتطفيف يشمل حتى العدد، وليس من البعيد أن تكون الآيات قد أشارت إلى إنقاص ما يؤدّى من خدمة مقابل أجر، كما لو سرق العامل أو الموظف من وقت عمله، فإنه والحال هذه سيكون في زمرة (المطففين) المذمومين بشدة في الآيات المباركة المذكورة.
ثم يهدّد القرآن الكريم المطففين باستفهام توبيخي فيقول: (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم) أي يوم عظيم في حسابه وأهواله. (يوم يقوم الناس لرب العالمين).
أي، إنهم لو كانوا يعتقدون بالبعث والحساب وأنّ أعمالهم مسجّلة وستعرض كاملة في محكمة العدل الإلهي بخيرها وشرها، لما ظلموا أحدا، ولأعطوا الناس حقوقهم كاملة.

 


 

2024-07-31 | 57 قراءة